كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

109…
(د) ولزيادة الأمن والأمان للمدينة وأهلها جعل لها حرماً آمناً، وشدد النكير على من أحدث فيه حدثاً، وحد الحرم رقعة واسعة دائرية الشكل، وجعل حديه من الشمال والجنوب جبلي: عير، وثور، وحديه من الشرق والغرب: اللابتين، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل)) [البخاري ك 29، باب 1] وأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه ((لايكيد أهل المدينة أحد إلا أنماع كما ينماع الملح في الماء)).
وقال عليه الصلاة والسلام: ((من أخاف أهل المدينة ظالماً لهم أخافه الله، وكانت عليه لعنة الله)).
وقد تحقق هذا في العهد النبوي، عندما كاد اليهود لأهل المدينة، فعاد عليهم كيدهم، وكتب الله عليهم الجلاء والانمحاء. كما تحقق في العصور التالية في كل من اذى أهل المدينة.
وأحب رسول الله أن تكون للمدينة هيبتها وقوتها، ورغب في بقاء المسلمين منتشرين في أطرافها، وجعل ذلك مساوياً لثواب الصلاة في مسجده، لما روى أنس بن مالك قال: ((أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تعرى المدينة، وقال: يابني سلمة إلا تحتسبون آثاركم؟ فأقاموا)).
وفي هذا السبيل أقطع رسول الله بلال بن الحارث المزني، وادي العقيق، وكان خالياً من السكان، لم يعتمل فيه أهل المدينة في الجاهلية عملاً.
لهذا كله، أحب صحابة رسول الله المدينة، واحبوا أن يكون موتهم بها، فيروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: ((اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم)).
(هـ) المؤاخاة بين المسلمين:
يقرر الإسلام الأخوة بين المسلمين، ويدعو إلى التعاون والتعاضد في هذا السبيل، فما معنى المؤاخاة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين؟ أقول: لعل الأخوة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين، كانت اخوة خاصة، بعد الأخوة…

الصفحة 109