كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

11…
ولو وقع أحد المؤرخين في العصر الحديث على هذا الخبر , لاستنبط منه شيئا من تاريخ اللغة , والمجتمع , ولأوصلوا هجنة اللغة التي حدثت في القرن الثاني إلى العصر الجاهلي , ذلك أن استبدال السن بالشين يذكرونه على ألسنة العجم المتعربين.
ولكن القول ((إن بلالا كان يبدل الشين في الأذان سينا)) لا أصل له , ولم يروه أحد بسند صحيح.
قال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) وما يروى أن سين بلال عند الله شين فليس له أصل , ولا يصح.
وقال العجلوني في ((كشف الخفاء)) فقد ترجمه غير واحد بأنه كان ندي الصوت حسنه , فصيح الكلام.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب رؤيا الأذان (عبد الله بن زيد) ألق عليه _ أي على بلال _ الآذان , فإنه أندى صوتا منك.
ولو كانت فيه لثغة لتوفرت الدواعي على نقلها , ولعابها أهل النفاق , المبالغون في التنقيص لأهل الإسلام.
وقال العلامة إبراهيم الناجي في مولده: ((وأشهد بالله , لله , أن سيدي بلالا ما قال ((أسهد)) بالسين المهملة قط , كما وقع لموفق الدين ابن قدامة في مغنيه , وقلده ابن أخيه الشيخ ابن عمر شمس الدين في شرح كتابه ((المقنع)) .. ورد عليه الحفاظ _ بل كان بلال من أفصح الناس وأنداهم صوتا)).
* الملحوظة الثانية: إن تاريخ الصدر الأول مختلط بتاريخ الأدب والشعر.
ذلك أن تاريخ أهل القرن الأول , هو تاريخ أهل الفصاحة ...وأهل الأدب يروون النصوص مقرونة بالتاريخ , ولذلك عجت كتب الأدب بالأخبار التاريخية التي تأتي في مناسبة قول النص.
وأهل الأدب قد يروون بلا إسناد, وإذا أسندوا , فإنني لا أراهم يشترطون في رجال أسانيدهم ما يشترط أهل الحديث , ولو فعلوا ما بقي من أخبارهم شيء.
فهم لا يريدون من رواياتهم استنباط الأحكام التاريخية , وإنما يريدون استنباط الأحكام الأدبية واللغوية والنحوية.
وقد ذكرنا في الفصل الأول من الباب الثاني وفي الفصل الثاني , نماذج من الروايات التي نقلها الأدباء , ولم يصح لها سند تاريخي.

الصفحة 11