كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

110…العامة، وهدفها ايجاد تخصص في التعاون بين المتآخيين كما يوجد بين الاخوين الشقيقين وهذه الأخوة اكثر ما يحتاج إليها المسلمون أيام الشدة، كما كان حال المسلمين في مكة قبل الهجرة، وفي المدينة بعد الهجرة.
نقل ابن حجر عن السهيلي في تعليل أخوة المسلمين في المدينة؛ قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ليذهب عنهم وحشة الغربة، ويتأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد بعضهم ازر بعض، فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث ـ التي كانت بين المتآخيين ـ وجعل المؤمنين كلهم إخوة، ونزل قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) [الفتح 370/ 7].
وقال ابن عبد البر: كانت المؤاخاة مرتين: مرة بين المهاجرين خاصة، وذلك بمكة.
ومرة بين المهاجرين والأنصار، وهي في المدينة، بعد الهجرة.
ونقل ابن سعد: ((لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين بعضهم لبعض، وآخى بين المهاجرين والأنصار، آخى بينهم على الحق والمواساة، ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام، وكان ذلك قبل بدر، فلما كانت وقعت بدر وأنزل الله تعالى: (واولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) فنسخت هذه الآية ماكان قبلها، وانقطعت المؤاخاة في الميراث، ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمة)) [238/ 1].
وقد أنكر ابن تيمية في كتابه ((منهاج السنة)) [97/ 4] المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصاً مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم بعضا ً ولتأليف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري.
قال ابن حجر في الفتح 271/ 1: وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة، لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة، والقوى، فاخى بين الأعلى والأدنى، ليرتفق الأدنى بالأعلى، ويستعين الأعلى بالأدنى وبهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي، لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة، واستمر، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة؛ لأن زيدأ مولاهم، فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين، وقد قال زيد بن حارثة: إن…

الصفحة 110