كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
120…جاء في نص الكتاب: ((وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين)). فقال أبو عبيد: ((ونرى أنه إنما كان يسهم لليهود إذا غزوا مع المسلمين بهذا الشرط الذي شرطه عليهم من النفقة)) [ص 296]. وعلى هذا يرى ابن سلام جواز الاستعانة باليهود في الحروب.
ولي على هذا الرأي ملاحظات:
أولاً جاء النص في بعض الروايات ((يتفقون)) من الاتفاق، بالتاء، وليس بالنون. والاتفاق، قد يعني، الموادعة والمسالمة والمهادنة، والامتناع عن ممالأة أعداء المسلمين.
وقد يقال: ما فائدة القيد ((ماداموا محاربين))؟ الجواب: إذا كانت المهادنة حاصلة في وقت الحرب، فإن حصولها في وقت السلم من باب أولى، ونقض العهود أكثر ما يكون وقت الحرب، وحاجة المسلمين إلى الموادعة في وقت الحرب أشد.
ثانياً: إن الآثار التي وردت في استعانة رسول الله باليهود في الغزوات، كلها ضعيفة، إما لإرسالها، أو لانقطاعها، أو لوجود رجال غير موثوقين في سندها.
قال ابن قدامة في ((المغني)): فصل: ولا يستعان بمشرك .. وروي عن عائشة قالت: خرج رسول الله إلى بدر، حتى إذا كان بحرة الوبرة، أدركه رجل من المشركين، كان يذكر منه جرأة ونجدة، فسر المسلمون به، فقال: يارسول الله، جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا قال: فارجع، فلن أستعين بمشرك قالت: ثم مضى رسول الله، حتى إذا كان بالبيداء، أدركه ذلك الرجل فقال له رسول الله: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم، قال: فانطلق)). قال ابن قدامة: متفق عليه. ورواه الجوزجاني.
وروى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن حبيب قال: أتيت رسول الله، وهو يريد غزوة، أنا ورجل من قومي، ولم نسلم، فقلنا: إنا لنستحي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم، قال: فأسلمتما؟ قلنا: لا، قال فإنا لا نستعين…