كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
134…ولما كانت أساليب الحرب تقضي أن يتبع المحاربون الأساليب التي تؤدي إلى اضعاف الخصم، فقد رأى المسلمون أن أقوى الأساليب لإضعاف شوكة المشركين في مكة، هو قطع طريق التجارة عليهم، لأن زعامة أهل مكة تعتمد عليها، ولأنها من وسائل قوة الأعداء ... وكان من الحكمة أن يبسط المسلمون سيطرتهم على طريق قريش التجارية المؤدية من مكة إلى الشام، واختار رسول الله لبسط هذه السيطرة خطتين:
الأولى: عقد معاهدات حلف أو عدم اعتداء مع القبائل التي تجاور الطريق أو كانت تقطن مابين هذه الطريق، وبين المدينة.
والثانية: إرسال السرايا المتتابعة إلى هذه الطريق.
ولتنفيذ هاتين الخطتين قام المسلمون بحركات عسكرية هي اشبه بالدوريات الاستطلاعية وكان هدفها الاستكشاف والتعرف على الطريق المحيطة بالمدينة والمسالك المؤدية إلى مكة وعقد المعاهدات مع القبائل التي تحاذي هذا الطريق، وإشعار مشركي يثرب ويهودها، وأعراب البادية الضاربين حولها بأن المسلمين أقوياء، وإنذار قريش عقبى طيشها حتى تفيق من غيها، لعلها تشعر بالخوف على اقتصادها واسباب معايشها فتجنح إلى السلم، وتمتنع عن إرادة قتال المسلمين في عقر دارهم وعن الصد عن سبيل الله وعن تعذيب المستضعفين من المؤمنين بمكة، حتى يصير المسلمون احراراً في ابلاغ رسالة الله في ربوع الجزيرة. [الرحيق المختوم 218].
* * *…