كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

14…
والخطأ. وبناءً عليه، لا يصح تقسيم السيرة النبوية إلى قسم نتشدد في روايته، وقسم نتساهل في روايته.
أقول ذلك، لأن بعض المؤرخين المعاصرين توسع في هذا التساهل، وأدخل قسماً من السيرة النبوية في الدراسات التاريخية التي لا تتطلب في الرواية درجة الصحة التي تقتضيها الأحكام الشرعية ...وقد اختار بعضهم مثالاً للدراسات التاريخية، الكتاب الذي رواه ابن إسحق، بدون إسناد، وقال: ((إنه كتاب كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار واليهود)).
وجعل المؤلف المعاصر هذا الكتاب من الوثائق السياسية، وسماه ((دستور المدينة)) ولما أعيته الحيلة لإثبات سند صحيح لهذا الكتاب قال: ((فإنها تصلح أساساً للدراسات التاريخية التي لا تتطلب درجة الصحة التي تقتضيها الأحكام الشرعية)).
وكيف تكون وثيقة سياسية نبوية، وتكون بعيدة عن الأحكام الشرعية؟ وكأن المؤلف يقول: إن الإسلام لم ينظم العلائق السياسية بين المسلمين والكافرين.
وقد فصلنا القول في قصة الكتاب النبوي، في الفصل الثاني من الباب الأول.
* الملحوظة الرابعة: إن تاريخ ما قبل الإسلام لا يصح عندنا منه إلا ما جاء في القرآن الكريم، وما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة.
وقد قص علينا القرآن من أخبار الأمم الماضية، ما فيه العبرة والعظة، فجاء البيان موجزاً ومعجزاً، وترك التفصيل.
ولو علم الله فيه خيراً لنا لفصله.
ثم جاء المؤرخون فذكروا ما سكت عنه القرآن، وتوسعوا في ذلك وأطالوا فكان مصدرهم الوحيد لهذا التطويل، الكتب الإسرائيلية، أو ما سماه اليهود ((التوراة)) وما هو من التوراة الموسوية في شيء. فقد روى البخاري أن…

الصفحة 14