كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

15…
عبد الله بن عباس قال: ((يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم صلى الله عليه وسلم، أحدث الأخبار بالله، محضاً لم يشب.
وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتاب الله وغيروا فكتبوا بأيديهم، قالوا: هو من عند الله ليشتروا بذاك ثمناً قليلاً.
أو لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، فلا والله ما رأينا رجلاً منهم يسألكم عن الذي أُنزل عليكم)) [البخاري ك 97 باب 42].
ومع هذا فقد نقل المؤرخون القدماء، وتبعهم المعاصرون، أن لليهود أوليات وأسبقيات في تاريخ المدينة، وغيرها من ديار الإسلام، وليس لهم مصدر إلا الإسرائيليات.
وهذه الأوليات التي رواها القدماء، يظهر أنها لم تكن فيما يتعلق بالعقيدة، وليس فيها إحلال حرام، أو تحريم حلال .. ولم تكن لهذه الأخبار تأثيرات في مجريات الأحداث يوم نقلها المؤرخون القدماء في كتبهم، حيث كانت الدولة الإسلامية قوية مهابة الجانب ...ثم تحول أمر الأمة من قوة إلى ضعف، وتكالبت عليها الأمم، وانتهز اليهود هذه الفرصة، وزعموا أن لهم حقاً موروثاً في ديار الإسلام، ونشروا توراتهم المحرفة بين الناس، ولقيت رواجاً عند الأعداء وصدقها الأهل والجيران لإلباسها ثوب التاريخ، حتى صار مؤرخو العرب في العصر الحديث، يعدونها مصدراً لا يكذب، ونقلوا منها في مؤلفاتهم ودوائر معارفهم .. وإذا قلت لهم: قال الله في القرآن، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث، اتهموك بالبعد عن المنهجية ووصفوك بالجهل والتعصب.
وقد زعزعت هذه الأخبار الإسرائيلية عقيدة العرب وإيمانهم بحقهم في أرضهم وألبت علينا الأعداء والأصدقاء، لأنها تظهر العرب أنهم معتدون مغتصبون، وتظهر اليهود بمظهر المقهورين المظلومين، في وقت سادت فيه شريعة (حقوق الإنسان) التي وضعها يهود الأمم المتحدة، وتحكمت مطامع الدول الكبرى في تسيير أمم الأرض.
في هذا الوقت تفتحت عيون المتعلم العربي على أخبار في كتب التاريخ العربي، وجدها موافقة لما يروجه الأعداء،…

الصفحة 15