كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
156…
المتصلة الصحيحة .. وبقي في نفسي شيء من هذه الرواية، لأن صيغة المعاهدة المكتوبة بين اليهود ورسول الله، رواه ابن اسحق بلا إسناد، وجاءت الاحاديث الصحيحة تخالف متنها، كما ذكرنا في هذا الفصل، ولم تطمئن النفس إلى أن رسول الله ذهب إلى بني النضير يطلب مالاً، وهو يعرف عداوتهم الباطنة .. واخيراً وقعت على قصة بني نضير بسند صحيح، نقلها ابن حجر في كتاب [الفتح 331/ 7] قال: وروى ابن مردويه قصة بني النضير بسند صحيح إلى معمر عن الزهري ((أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن ملك عن رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... فلما كانت واقعة بدر كتبت كفار قريش إلى اليهود إنكم اهل الحلقة والحصون ـ يتهددونهم ـ فأجمع بنو النضير على الغدر فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثة من اصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنو بك، اتبعناك، ففعل، فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر، فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم، تخبره بأمر بني النضير، فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم فرجع، وصبحهم بالكتائب فحصرهم يومه، ثم غدا على بني قريظة فحاصرهم، فعاهدوه، فانصرف عنهم إلى بني النضير فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء ... )) قال ابو حجر: وكذا أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق، وفي ذلك رد على ابن التين في زعمه أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد .. قال ابن حجر: قلت: فهذا أقوى مما ذكر ابن اسحق من أن سبب غزوة بني النضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرجلين .. قال ابن حجر: لكن وافق ابن اسحق جل أهل المغازي، فالله أعلم.
ولم يكن هذا السبب الاول والاخير في قتال بني النضير واجلائهم، فقد كان منهم قبل ذلك مواقف مشاقة مزعجة كثيرة عبرت عنها الأية القرآنية: (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله). فامتلأ بها الكيل وحق عليهم النكال ولقد كان كعب بن الأشرف الشاعر اليهودي منهم، وقد ذكرت الروايات أن كعباً وآخرين من بني النضير كانوا يتصلون بقريش اتصال تآمر وكيد.
…