كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

163…شديدة، فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاث أيام لا نذوق ذواقاً ... )) الحديث.
فما سبب قلة الزاد والطعام؟ لم أجد من أعطى تفسيراً لذلك، فخطر لي ما يأتي:
(أ) كانت أيام الخندق في أيام الشتاء الباردة، وأكثر ما يشتد برد المدينة في كانون الأول، وكانون الثاني، وهذا يعني أن بساتين المدينة خالية من الثمار ـ الرطب، والعنب ـ وفي فصل الشتاء يقل المرعى، ولذلك فإنهم يتمدحون بكرم الشتاء، كما قالت الخنساء: ((وأن صخراً إذا نشتو لنحار)) وقال آخر: ((والمطعمون إذا هبت شآمية)) أي: هبت الريح الباردة .. ولكن أهل المدينة لم يكونوا أهل إبل وشاء، وإنما كانت أكثر أموالهم الزراعة.
(ب) ربما كانت السنة السابقة سنة جدب، أثرت في عطاء البساتين، وقد مر معنا أن أبا سفيان لم يأت إلى بدر الموعد، بعد أحد، لأنها كانت سنة جدب .. فهل عم الجدب المدينة أيضاً.
(جـ) نحن الآن في السنة الخامسة من الهجرة، وفي خمس السنوات لم تتوقف الغزوات والسرايا، وقد عددت الغزوات والسرايا منذ السنة الأولى من الهجرة، حتى غزوة الخندق، فوجدتها ثلاثين غزوة وسرية، بمعدل ست غزوات وسرايا كل سنة، ولاشك أن هذه الغزوات والسرايا تحتاج إلى الرجال، وجل رزق الأنصار من الزراعة، كما أن رزق المهاجرين من التجارة والزراعة .. فهل أثر ذلك في الحياة الاقتصادية؟ إذا عرفنا أن الغزوات الكبرى: بدر، وأحد، والخندق، لم يغنم فيها المسلمون غنيمة وأكثر ماغنموا في سرية زيد بن حارثة إلى ((القردة)) في الطريق النجدية، وغزوة المريسيع .. وأما غنائم المسلمين من بني النضير، فكانت بساتين ولم تكن أموالاً منقولة.
(د) هل كان ذلك لانشغال في حفر الخندق، وكان عددهم يزيد على ثلاثة آلاف؟ وليس هناك من يوصل إليهم الطعام؟.

الصفحة 163