كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

17…
تجمع بين الصحيح والسقيم من الروايات , توقفنا عند هذه الروايات , لنقول لراويها: من أين لك هذا؟! وعرضنا الرواية على قوانين نقد السند والمتن.
وموقفنا من متون الأخبار: أن المتن إذا كان صحيح السند , أو حسن السند , آمنا به , واعتمدناه شاهدا لا يعارض , ولو خالف ما يراه العقل والمنطق , لأن النصوص الصحيحة لا يحكمها العقل والمنطق , وإنما يحكمها النقل الصحيح.
فليس كل نص صحيح يستطيع العقل أن يدرك الحكمة فيه , فقد تظهر لنا بعض الحكمة فيه , وقد يختفي عنا الكثير منها , ليأتي أقوام آخرون من أجيال تالية , ليكتشفوا بعض ما فيها , فما يرفضه عقلي قد يقبله آخرون.
أما إذا كانت المتون ضعيفة الأسانيد , فإننا نبيح لأنفسنا نقد المتن , فنرده أو نأخذ به.
ومع ذلك فإننا قد نستفيد من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة في تأريخ وجود مظاهر معينة في المجتمع , دون أن نعتمد صحة وقوع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة.
ذلك وأن واضعي الحديث كانوا قريبي العهد من الزمن الذي وضعوا له الحديث , وعندهم ذكاء ومعرفة بالواقع الاجتماعي , فيحاولون أن تكون أحاديثهم مطابقة لحال المجتمع ليمكن تصديقها: من ذلك مثلا أنهم وضعوا أحاديث في فضائل بعض الأطعمة: كالعدس , والبطيخ والعنب , والرمان.
والذي لا يثبت في هذه الأحاديث أن رسول الله ذكر فضلها , ولكن وجود هذه المطاعم ثابت في العصر النبوي من غير وجه.
هذا وقد جعلت هذا الكتاب بابين , وقسمت كل باب إلى فصول , وجعلت الباب الأول لتأريخ المدينة في العصر النبوي , والباب الثاني لتأريخ أحداث المدينة في العصر الراشدي.
ولا يعني هذا التقسيم أن هناك فواصل زمنية , يقف عندها موضوع الفصل , ولكن امتداد التأريخ , والأثر قد يتصل , ما عدا الأحداث الحربية والسياسية فإنها مرهونة بزمن حدوثها.
فإذا تحدثنا عن الغزوات النبوية ,…

الصفحة 17