كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
173…
استشهد في ذلك من استشهد، وصبر على الشدة واللأواء من صبر، لتثبيت دعائم الرسالة، ونشرها، ونقلها إلى الأجيال التالية، لتكون الرسالة الخالدة .. فإذا فرطنا فيها فيما بعد فإن في تفريطنا غدرا ونكثا، ونكرانا للجميل، وعقوقا للآباء ... ومن أيام الغدر التي لاقاها المسلمون في صدر الدعوة: ((يوم الرجيع)) سنة ثلاث، والرجيع: ماء يقع شمال مكة على مسافة سبعين كيلا، يسمى اليوم ((الوطية)) وفي قصته أن عضل والقارة، جاءت إلى رسول الله في المدينة، وطلبت نفرا من المسلمين، ليعلموهم، فأوفد رسول الله معهم ستة، من أشهرهم عاصم بن ثابت، حميّ البر، وخبيب بن عدي، ولهما في السيرة قصة [البخاري ك 64 باب 28] حتى إذا كانوا بماء الرجيع، غدروا بهم.
والقصة الثانية: ((يوم بئر معونة)) سنة أربع، على رأس أربعة أشهر من أحد .. وبئر معونة في جهات نجد، في ديار بني سليم .. وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سبعين من القراء، فغدرت بهم بنو عامر، عند بئر معونة .. [انظر سيرة الرسول لأبن هشام 3/ 184، والبخاري ـ كتاب المغازي].
والقصة الثالثة: قصة ((عكل وعرينة)) وقد عنونت، أو ترجمت للفقرة بهما لأن قصتهما تتصل بالمدينة، جغرافية وحياة: ومن قصتهما: أن أناسا من عكل وعرينة، ـ قبيلتين ـ قدموا المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتكلموا بالإسلام، فقالوا: يانبي الله، أنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، فامر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من البانها وأبوالها، فانطلقوا حتى اذا كانوا ناحية الحرة، كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث الطلب في آثارهم، فامر بهم، فسمروا أعينهم، وقطعوا أيدهم، وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم. [البخاري ك 64، ب 36].
…