كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
174…
وحدد ابن سعد [الطبقات 2/ 93] فقال: ((وكانت ترعى اللقاح بذي الجذر ناحية قباء قريبا من عير على ستة أميال من المدينة .. وبلغ رسول الله الخبر فبعث في أثرهم عشرين فارسا، واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري ... فأدركوهم فأحاطوا بهم وأسروهم، حتى قدموا بهم المدينة، وكان رسول الله بالغابة فخرجوا بهم نحوه، فلقوه بالزغابة بمجتمع السيول، وأمر بهم فقطعت أيدهم وأرجلهم وسمل أعينهم، فصلبوا هناك .. )).
وفي القصة من الفوائد ما يلي:
1 ـ المكان الذي حصلت فيه القصة: سماه ابن سعد ((ذا الجذر)) وهو قاع منخفض في الحرة في الجنوب الشرقي من المدينة، يبعد عن مسجد المصلى ((الغمامة)) تسعة أكيال عن طريق مسجد قباء ثم الحرة جنوبا، يسير الذهب إليه نحو الجنوب الشرقي تاركا قصر كعب بن الأشرف على يساره حتى يصل إلى القاع المذكور، وذو الجذر: جبل صغير أحمر يقع في الجنوب الغربي من القاع قليل الارتفاع .. والقاع: فيه كثير من شجر السلم، يصلح لرعي الإبل. [انظر الخريطة الأثرية للمدينة].
2 ـ كان قدوم هؤلاء على المدينة سنة ست من الهجرة.
3 ـ جاء في القصة أنهم ((استوخموا المدينة)) وفي رواية ((اجتووا المدينة)) ويفيد اللفظان أنهم لم يناسبهم العيش في المدينة، وقد فهم بعضهم من القصة أن المدينة كانت موبوءة، أو تتفشى فيها الأمراض، وهذا في رأيي فهم غير مقبول، لما يأتي:
أولا: قوله في الرواية: ((استوخموا المدينة .. الخ)) لعلهم ادعوا ذلك لأمر كانوا يبيتونه في أنفسهم .. والدليل على ذلك ما كان من ارتدادهم وسرقة اللقاح .. وإلا: فكيف يعيش عشرات الألوف في المدينة وهم في صحة جيدة، ويدعي هؤلاء أن المدينة موبوءة؟ …