كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
175…
فمن الثابت الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا ربه أن يجعل المدينة صحيحة لمن سكنها، وقد استجاب الله دعاء رسوله، فكانت المدينة من أصح البلدان عيشا ... والدليل على ذلك: قدرة أهلها على العمل، والجهاد في كفاءة تامة.
ثانيا: إذا صح قولهم، بأنهم استوخموا المدينة، ولم يكن في نياتهم تبييت الغدر .. لا يدل على أن المدينة وخمة الهواء، ولكن هواءها لم يناسب هؤلاء بخاصة، وهذا ليس غريبا في خصائص البلدان، وطبائع الناس، فكل إقليم له خصائص هوائية ومناخية، قد تلائم بعض الناس، ولا تلائم الآخرين، لما طبعوا عليه من حياتهم السابقة، فبعض الناس يناسبهم المناخ المشبع بالرطوبة، وبعضهم لا يناسبه، ومن طبع على عيش البادية، ربما لايناسبه العيش في الحضر .. ويدل على هذا قولهم في إحدى الروايات: ((أنا كنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف)).
وقد عرفنا من الناس، من إذا أكل خبز دقيق القمح المنخول، فسدت معدته، وإذا أكل خبز دقيق الشعير صحت معدته، لاعتياده أكل خبز الشعير .. ولعل هؤلاء لم يعتادوا طعام الريف، أو الحضر، وكانوا يعيشون على حليب النوق وقليل من التمر، فسمح لهم رسول الله أن يخرجوا إلى البادية، يشربون لبن النوق.
4 ـ جاء اسم ((الحرة)) في القصة مرتين: الأولى، قوله ((حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم)) ... وهذه الحرة، هي التي كانت اللقاح ترعى بها بذي الجدر، وقد حددت مكانها قبل هذه الفائدة.
والثانية قوله: ((ثم تركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا)).
ويظهر من الأخبار أن الحرة التي قتل فيها اللصوص، هي حرة ((الوبرة)) الحرة الغربية لأنهم قالوا: إن رسول الله أرسل في طلبهم سرية، فلحقوا بهم وأسروهم، وقدموا بهم المدينة، وكان رسول الله بالغابة، فخرجوا بهم نحوه، فلقوه بالزغابة .. وأمر بهم فقطعت أيدهم .. الخ ... والزغابة: عند مجتمع سيول المدينة وهي ليست من…