كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

197…
مكة والمدينة والطائف .. لم يكونوا اهل بادية كما يدعي ابن خلدون، وانما كانوا اهل استقرار؛ ومكة تعتمد على التجارة، والمدينة والطائف تعتمدان على الزراعة، ولا بد انهم فكروا في اقتباس الخط، أو ايجاده، في زمن مبكر لحاجتهم اليه في معاملاتهم، التجارية، وخصوصا ان مجتمع مكة كان يعتمد على الربا، بل كان الربا متفشياً، ولابد لاثبات الحق من الكتابة، بل كانوا يعتمدون على الكتابة لاثبات الديون، ويعتمدون على الكتابة في شؤونهم السياسية (1).
2 - تدل النصوص القرآنية على تفشي الكتابة في المجتمع العربي، ففي كثير من الآيات اشارة الى ذلك؛ لأن القرآن يخاطب العرب بما يفهمون.
(أ) في قوله تعالى: (اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم).
قال الزمخشري: الأكرم: الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كرم ينعم على عباده النعم التي لاتحصى .. قال: وكأنه ليس وراء التكرم بافادة الفوائد العلمية تكرم، حيث قال: الأكرم .. ودل على كمال كرمه بأنه علم عباده مالم يعلموا، ونبه على فضل علم الكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة التي لايحيط بها الا هو ... )).
وخطاب الله العرب، بوصف نفسه ((الاكرم الذي علم بالقلم)) يمتن الله بذلك على الانسان، والانسان جنس، لكن العرب مقصودون بهذا الخطاب .. يدل على ان الكتابة موجودة عند العرب، وانهم يعرفون فوائدها، وانهم يستخدمونها والا فلا معنى لامتنان الله ان علم الانسان بالقلم، والعرب لايعرفون ذلك لأن الله يمتن بما هو موجود في الدنيا .. وقد فهم العرب هذا المعنى، ولذلك نقل الزمخشري ان ابن الزبير قرأ ((علم الخط بالقلم)).

__________
(1) ذكرنا فيما سبق، كتاب عبد المطلب بن هاشم، يذكر حقه على فلان الحميري. وهناك خبر كتابة المعلقات وخبر الصحيفة التي كتبتها قريش لمقاطعة بني هاشم في بداية البعثة النبوية (انظر خبرها في السيرة النبوية لابن هشام 350/ 1)

الصفحة 197