كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

205…
صحيفة واحدة لئلا يختلط به، فأما أن يكون نفس الكتاب محظوراً وتقييد العلم بالخط منهياً عنه، فلا)) [معالم السنن 184/ 4].
(جـ) وقد أدت هذه الفكرة ـ فكروة عدم تقييد العلم في القرن الأول ـ إلى الطعن على علم المسلمين في القرن الأول، وهو الحديث الشريف.
ومهما قيل عن قوة الحافظة العربية، فإن ذاكرة الناس ربما لاتستطيع أن تتناول العلم بأجمعه، وقد تقوى عند اناس وتضعف عند آخرين .. وفي هذا الفصل، لا اريد أن أدفع عيباً واقعاً، ولا اريد أن اثبت شيئاً لم يوجد، وانما أذكر الأدلة على أن الكتابة ـ كتابة العلم ـ كانت في العصر النبوي، وفي عصر الخلفاء الراشدين، وفي القرن الأول بعامة، قبل الزمن الذي حددوه لبداية التدوين:
1 ـ قولهم: أول من دون العلم ابن شهاب الزهري في القرن الثاني أو على رأس المئة الأولى، يحتاج إلى توضيح: هناك اصطلاحات ثلاثة في هذا الباب: ((تقييد العلم)) بمهنى الكتابة مطلقاً.
((والتدوين)) ومعناه تقييد المتفرق وجمعه في ديوان أي كتاب.
((والتصنيف)): وهو ترتيب ما دون في فصول وأبواب، حسب الموضوعات.
والخلاف حاصل في ((التقييد)) بمهنى الكتابة مطلقاً، وليس في التدوين والتصنيف؛ لأننا نعترف أن التدوين والتصنيف إنما كانا متأخرين في القرن الثاني، أما الكتابة المطلقة فهي التي تذكر الأدلة على وجودها.
2 ـ إن الأخبار الصحيحة في الأذن بالكتابة، أكثر وأقوى من الأخبار بالمنع، في العهد النبوي: (أ) أما ادلة الإباحة الصحيحة فهي: روى البخاري في صحيحه عن أبي جحيفة (1) قال: ((قلت لعلي، هل عندكم كتاب؟ قالا: لا، إلا كتاب الله، أو فهم اعطيه رجل مسلم، أو مافي هذه…
__________
(1) أبو جحيفة: اسمه وهب بن عبد الله السوائي ـ من الصحابة.
فالحديث يرويه صحابي عن صحابي.

الصفحة 205