كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

209…
ومن قال إن تدوين السنة بدأ على رأس المئة الأولى؛ فهو يقصد التدوين المجموع في كتب، وإذا لم يصل إلى المتأخرين نماذج من كتابة القرن الأول فذلك أن كتاباتهم كانت على أدوات لا يدوم أكثرها، فالعظام والكرانيف لاتبقى مئات السنين، ووصلتنا الكتابات المتأخرة لأنها كانت على أدوات نصمد أمام تعاقب القرون عليها.
والمتمعن فيما عرضناه سابقاً يعرف بطلان كلام ابن خلدون الذي بناه على نظرية البداوة، حيث زعم أن العرب في صدر الإسلام يجهلون الخط فجاء في الرسم القرآني مخالفة لقواعد الإملاء، فالرسم القرآني عند أكثر الناس توقيفي، ونقله الصحابة في زمن عثمان عما كان مكتوباً في الزمن النبوي، ثم إن تعليم الخط فشا وانتشر في المدينة منذ بداية الهجرة على أيدي رجال مجيدين، فكان عبد الله سعيد بن العاص يعلم الخط قبل بدر، وكان عبادة بن الصامت يعلم أهل الصفة الكتابة، وعلم أسرى بدر المسلمين الخط، بدل المال المفروض على الأسير وقدره أربعة آلاف ... فابن خلدون قال ماقال عن تخمين وظن، والرواة يروون عن مشاهدة.
* * *
ثانياً - صورة إجمالية لبقية أدوات الحركة العلمية وطرائقها في العهدين: النبوي والراشدي:
(أ) حلق العلم في المسجد:
وانظر باب ((من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها)).
من كتاب العلم في صحيح البخاري وبوب البخاري أيضاً باب ((الحلق والجلوس في المسجد)) أي جواز ذلك فيه لتعلم العلم وقراءة القرآن. وانظر ((التراتيب الإدارية 217/ 2)) باب في كيفية تلقي الصحابة العلم، وأنه كان حلقاً في المسجد النبوي. وباب ((وقوفه عليه السلام على حلق العلم لأصحابه))،…

الصفحة 209