كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
213…بتعليم الطفل القرآن، وانكر لما قيل له عن طفل جمع القرآن ابن سبع سنين ونحوها.
قالوا: إنه كره ذلك خشية أن ينطق بالقرآن على خلاف ما ينبغي لم من إقامة الحروف وإخراجها من مخارجها، أو أن في اعجاله منعاً من الذي ينبغي أن يفسح له فيه من اللهو المقيم لبنية الأطفال المروح لأنفسهم، ولأن حفظ القرآن في سن السابعة لا يكون إلا مع الحمل عليه في التأديب والتعليم وهو صغير جداً، مع أن الرفق به واجب في هذه السن ... ولا يمنع هذا من وجود مواهب وقدرات خلقية متفوقة تظهر في سن مبكرة، يستطيع الطفل معها أن يستوعب النصوص دون ارهاق.
فقد روي أن الإمام الشافعي حفظ الموطأ وهو ابن خمس، وأن سفيان بن عيينة حفظ القرآن وهو ابن أربع سنين.
ومن خالط أهل صحراء شنقيط لم يستغرب مثل هذا كل الاستغراب.
أما حفظ القدماء في كبرهم، فله نماذج كثيرة، ومن أشهر الصحابة في الحفظ أبو هريرة، وعبد الله بن عباس، ومن التابعين محمد بن شهاب الزهري.
(ك) الترويح عن النفس أثناء طلب العلم:
فقد روي عن أبي الدرداء قال: إني لأستجم نفسي بالباطل كراهية أن أحمل عليها من الحق ما يملها.
وروي عن أبي بن كعب قوله: إني لأستجم ببعض الباطل ليكون أنشط للحق .. والمراد بالباطل: نوع من اللهو المباح.
وكان ابن عباس إذا جلس مع اصحابه حدثهم ساعة وقال: حمضونا فيأخذ في أحاديث العرب ثم يعود، فيفعل ذلك مراراً.
ومعنى حمضونا: أي: هاتوا الفاكهة، وهاتوا من أشعاركم فإن النفس تمل كما تمل الأبدان.
يعني إذا مللتم من الحديث والفقه فخذوا في الأشعار وأخبار العرب، كما أن الإبل إذا ملت ما حلا من النبت رعت الحمض.
…