كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
234…العلماء والمحققين إلى ان الحكمة شيء آخر غير القرآن، وهي ما أطلعه عليه من أسرار دينه وأحكام شريعته، ويعبر العلماء عنها بالسنة.
وقد جزم الشافعي في [الرسالة 78] أن الحكمة هي السنة، لأن الله عطفها على الكتاب، وذلك يقتضي المغايرة، ولا يصح أن تكون شيئاً غير السنة لأنها في معرض المنة من الله علينا، بتعليمنا إياها، ولا يمن إلا بما هو حق وصواب، فتكون ((الحكمة)) واجبة الاتباع كالقرآن، ولم يوجب علينا إلا اتباع القرآن والرسول، فتعين أن تكون الحكمة هي ما صدر عن الرسول عليه السلام من أحكام وأقوال في معرض التشريع.
وإذا تقرر أن ((الحكمة)) هي السنة النبوية، فإن رسول الله قد أوُتي القرآن وشيئاً آخر معه يجب اتباعه فيه، وقد صرح القرآن بذلك، حيث يقول الله في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) .. الآية [الأعراف: 156].
واللفظ عام يشمل لما يحله ويحرمه مما مصدره القرآن أو مصدره وحي يوحيه الله إليه.
وروى أبو داود أن رسول الله قال ((ألا اني اوتيت الكتاب ومثله معه)).
ويدل على ذلك أن الله اوجب على المسلمين اتباع الرسول فيما يأمر وينهى فقال: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر: 7].
وقرن طاعة الرسول بطاعته في آيات كثيرة فقال: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) وإذا كانت طاعة الله فيما انزل من القرآن، فإن طاعة الرسول تكون في سنته.
وعد القرآن طاعة الرسول طاعةً لله، واتباعه حباً له فقال: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) [آل عمران: 31].
ولم يبح القرآن للمؤمنين أن يخالفوا حكم الرسول وأوامره، (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم،…