كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
235…ومن يعص الله ورسوله فقد ظل ظلالا مبيناً) [الاحزاب 36].
لهذا كله كان الصحابة يرجعون إلى رسول الله يفسر لهم احكام القرآن ويبين لهم مشكلاته ويحكم بينهم في المنازعات .. ويأخذون عنهم صفة أداء الفروض والأركان: ((صلوا كما رأيتموني اصلي)) [أخرجه البخاري].
و ((خذوا عني مناسككم)) [أخرجه مسلم] ... ولذا وجب اتباع الرسول عليه السلام في حياته وبعد وفاته، والوجوب مخاطب به المسلمون في زمانه، ومن حضره وعاش بعده، ومن يأتي بعدهم إلى قيام الساعة، لأن النصوص التي اوجبت طاعته عامة، لم تقيد ذلك بزمن حياته، ولا بجيل دون جيل، وقد حث رسول الله على العمل بسنته بعد وفاته في أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر المعنوي، منها ما رواه الحاكم وابن عبد البر، أن رسول الله قال: ((تركت فيكم امرين لن تضبوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي)) [جامع بيان العلم 2/ 24].
واخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((كل أُمتي يدخلون الجنة إلا من أبى.
قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)).
(جـ) أما كيف كان الصحابة يأخذون السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك طرائق متعددة: منها المخالطة اليومية، لأن رسول الله كان يعيش بين اصحابه .. ومنها التناوب في حضور مجالسه بين من يبعدون عن المسجد مسافة لا تمكنهم الحضور اليومي، للانقطاع عن الأعمال وكسب الرزق، من ذلك ما روى البخاري في ((كتاب العلم)) عن عمر بن الخطاب قال: ((كنت أنا وجار لي من الأنصار ـ في بني امية بن زيد، من عوالي المدينة ـ وكنا نتناوب النزول على رسول الله، ينزل يوماً وانزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم وإذا نزل فعل مثل ذلك)).
…