كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

236…
ومنها الرحلة إلى المدينة، ولهذا كانت القبائل النائية عن المدينة ترسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بعض افرادها ليتعلموا أحكام الإسلام ثم يرجعوا إليهم معلمين مرشدين .. لما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن وفد عبد القيس (1) لما أتو النبي صلى الله عليه وسلم قال: من القوم؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحبا بالقوم غير خزايا ولا ندامى (2) فقالوا: يا رسول الله، إنا لانستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة، فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع .. )) الحديث [البخاري باب أداء الخمس من الإيمان، ومسلم باب الأمر في الإيمان بالله].
بل كان الصحابي يقطع المسافات الواسعة ليسأل رسول الله عن حكم شرعي ثم يرجع لا يلوي على شيء، لما أخرج البخاري عن عقبة بن الحارث أن امرأة اخبرته أنها ارضعته هو وزوجه، فركب من فوره ـ وكان بمكة ـ قاصداً…
__________
(1) تذكر كتب السيرة وفد عبد القيس في وفود السنة التاسعة، والصحيح أن لهذه القبيلة وفادتين: الأولى: سنة خمس من الهجرة أو قبل ذلك. والدليل على ذلك قولهم ((بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر))، وكانوا يسكنون نواحي من المنطقة الشرقية في السعودية اليوم .. وروى البخاري في باب الجمعة، أن أول جمعة جمعت بين جمعة في مسجد رسول الله، في مسجد عبد القيس بجواثي، وهي قرية من قراهم، فدل هذا على أنهم سبقوا جميع القرى إلى الاسلام .. وهذه المرة هي التي سألوا فيها عن الأشربة. والوفادة الثانية كانت في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة.
(2) ندامى: قال الخطابي: كان أصله ((نادمين)) جمع نادم، لأن ((ندامى)) إنما هو جمع ((ندمان)) أي: المنادم في اللهو وقال الشاعر ((فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني)) لكنه هنا خرج على الإتباع، كما قالوا: العشايا والغدايا. وغداة، جمعها غدوات، لكنه اتبع.
وقال غيره: إنه يقال، نادم، وندمان، في الندامة، بمعنى، وعلى هذا فهو على الأصل ولا اتباع فيه. وفي رواية النسائي ((فقال: مرحباً بالوفد، ليس الخزايا ولا النادمين)). ولفظ البخاري أصح، وربما غيرها الرواة الآخرون، لظنهم خروجها عن الوجه اللغوي.

الصفحة 236