كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
237…المدينة، حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن حكم الله فيمن تزوج امرأة لا يعلم أنها اخته من الرضاع ثم اخبرته بذلك من أرضعتهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((كيف وقد قيل؟)) ففارق زوجته لوقته، فتزوجت بغيره.
(د) ولمعرفة الصحابة بمنزلة السنة النبوية فقد عملوا على تبليغها، لأنها أمانة الرسول عندهم إلى الأجيال المتلاحقة من بعدهم، وقد رغب رسول الله في تبليغ العلم عنه إلى من بعده بقوله ((رحم الله امرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها، ورب مبلغ أوعى من سامع)) [جامع بيان العلم 1/ 39].
وقد توقى بعض الصحابة، وتحرزوا من الكذب على رسول الله صلى الله علايه وسلم فامتنعوا من رواية الحديث، أو قللوا روايته، لما روى البخاري عن عبد الله بن الزبير قال: قلت للزبير: اني لا أسمعك تحدث عن رسول كما يحدث فلان وفلان، قال: اما اني لم افارقه، ولكن سمعته يقول: من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار)) [كتاب العلم باب 38].
وقوله: من كذب عليّ: أي: نسب الكذب إلي.
قال ابن حجر: تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للاصح، في أن الكذب هو الاخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء أكان عمداَ ام خطئاً، والمخطئ وان كان غير مأثوم بالاجماع، لكن الزبير خشي من الاكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر، لأنه وان لم يأثم بالخطأ ولكن قد يأثم بالأكثار، إذ الاكثار مظنة الخطأ، والثقة إذا حدث بالخطأ فحمل عنه وهو لايشعر انه خطأ، يعمل به على الدوام للوثوق بنقله، فيكون سبباً للعمل بما لم يقله الشارع.
ومن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الأكثار من التحديث.
وأما من أكثر من الصحابة فمحمول على انهم كانوا واثقين من انفسهم…