كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
238…بالتثبت أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ماعندهم، فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان.
وروى البخاري عن انس قال: انه ليمنعي ان احدثكم حديثاً كثيراً ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تعمد عليّ كذباً فليتبوأ مقعده من النار)) وقال ابن حجر في شرحه: وانما خشي انس مما خشي منه الزبير، ولهذا صرح بلفظ الاكثار لانه مظنة، ومن حام حول الحمى لا يأمن وقوعه فيه فكان التقليل منهم للاحتراز، ومع ذلك، فأنس من المكثرين، لأنه تأخرت وفاته فاحتيج إليه ولم يمكنه الكتمان، ويجمع بأنه لو حدث بجميع ما عنده لكان اضعاف ما حدث به.
ووقع في رواية اخرى عن انس: ((لولا اني اخشى ان اخطأ لحدثتك بأشياء قالها رسول الله)) (رواه احمد) فأشار إلى انه لا يحدث إلا بما تحققه، ويترك ما يشك فيه وقد فهم بعض العلماء أن الصحابة كانوا يتحرون الرواية باللفظ، لما روى البخاري؛ عن سلمة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يقل عليّ مالم أقل فليتبوأ مقعده من النار))، وفهم هذا المعنى من حديث انس السابق.
(هـ) وقد بدأ التحديث قليلاً في عصري الشيخين ابي بكر وعمر، ثم كثر بعدهما .. ولعل من اسباب ذلك، ان الناس كانوا قريبي العهد بالعصر النبوي، وكانت كثرة الناس في المدينة من الصحابة، ولم يطرأ على المجتمع من الأحوال ما يحتاج إلى الفتوى ثم ان خطة الشيخين كانت حمل المسلمين على التثبت في الحديث من جهة وحمل المسلمين على العناية بالقرآن، وقد قيل لأبي هريرة ((أكنت تحدث في زمن عمر هكذا قال: لو كنت احدث في زمن عمر مثل ما احدثكم لضربني بالدرة)) [جامع بيان العلم 2/ 120]. فاذا طرأ طارئ، لم يجد له الخليفة فتوى فيما يحفظ، سأل الناس، واحتاط في قبول الاخبار.
قال الذهبي في ((تذكرة الحفاظ)) في ترجمة ابي بكر: ((كان ابو بكر اول من احتاط في قبول الاخبار، وروي ان الجدة جاءت إلى…