كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
245…
(ي) وقد مر معنا ان عدد الصحابة الذين سمعوا رسول الله، ورأوه يزيدون على مئة الف صحابي، ولكن الصحابة الذين ضبطتهم كتب التراجم ربما لايزيدون على عشرة آلاف، والمحدثون منهم اقل من هذا العدد .. ومعنى هذا ان الحديث لم يصلنا كله، فلعل شيئا منه ذهب مع الصحابة الذين لم نعرفهم .. ولكن ما الجواب عن الارقام التي نسمعها ونقرأها في كتب الحديث ورجاله؟ .. فقد روي انه قيل للإمام أحمد بن حنبل: إذا كتب الرجل مئة ألف حديث، له أن يفتي؟ قال: لا، قيل: فمئتي ألف حديث؟ قال: لا، قيل: فثلاثمائة ألف حديث؟ قال: أرجو.
قالوا: وكان أبو زرعة يحفظ، ألف ألف حديث، وحفظ البخاري مئة ألف حديث .. وذكروا ان في مسند الإمام أحمد بن حنبل ثلاثين ألف حديث غير المكرر ... قال البيهقي في الجواب عن الأعداد الكبيرة التي تذكر للحفاظ: ان مرادهم بهذه الأعداد العظيمة يشمل السنة وأثار الصحابة والتابعين، أو انهم كانوا يريدون طرق الحديث المتنوعة، فيجعلون كل طريق حديثاً وكل حديث له طرق وروايات، فمرادهم بهذا العدد العديد: طرق الحديث الواحد العديدة ورواياته المتنوعة .. وقد يكون الحديث واحداً ولكن بإعتبار طرقه وإختلاف ألفاظه وتعدد من رواه، يعد الحديث الواحد بالمئة، لإنهم كانوا يقولون: لو لم نكتب الحديث من عشرين وجها ما عرفناه.
وقال ابن الجوزي في ((صيد الخاطر)): جرى بيني وبين أصحاب الحديث كلام في قول الإمام أحمد ((صح عن رسول الله سبعمائة ألف حديث)) فقلت: له: إنما يعني به الطرق، فقال: لا، المتون، فقلت: هذا بعيد التصور.
ونذكر لذلك امثلة ليتضح الكلام: قال احمد بن سنان (254 هـ) سمعت عبد الرحمن بن مهدي (198 هـ) يقول: ((عندي عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين ثلاثة عشر حديثاً)) .. ومما لاشك فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين مرارا، ولكن ما ينقله لنا المغيرة، هو فعل واحد من…