كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

27…مذهب من قال: إن العرب تسمي ابناءها لأعدائها أي: ليكون مخيفاً لأعدائها، أو تفاؤلاً أن يكون ما في الأسم من معنى الفساد والأذى، واقعاً على الأعداء عند اللقاء.
وقد يكون السبب طرداً للعين والحسد عن الولد على طريقة من قال: ((قاتله الله ما أشجعه)) وإن كان ((اسم يثرب)) وضع علماً على المكان ابتداءً، فيكون ذلك لعلتين: الأولى: ما ذكرناه في علة تسمية الولد، بالأسماء المستبشعة.
فقالوا هذاالمكان ((يثرب)) تفاؤلا أن يكون فسادا لكل من نزله من الأعداء أو لتهابه الأعداء فلا تغزوه.
والعلة الثانية كامنة في المكان نفسه , لأنهم قالوا إن اسم يثرب لم يكن يشمل المدينة الحالية كلها , وإنما كان يطلق على جزء من المدينة الحالية , واقع في الجزء الشمالي من المدينة ,ابتداء من شمال جبل سلع إلى منتهى زغابة, ومنطقة العيون.
وهذا المكان منخفض , وعنده ملتقى سيول المدينة الثلاثة , ويجاوره إلى الشمال , بعد ملتقى السيول أرض كان يقال لها الغابة ,لكثرة أشجارها ووجود الوحوش الضارية فيها .. ويحتمل أن يكون هذا المكان موبوءا مخوفا , يثرب من يسكنه , أو من يقترب منه , ويدل على ذلك , أن أكثر سكان المدينة في الجاهلية , قد ترفعوا عن هذا المكان , وسكنوا في عوالي المدينة , لأنها أنقى هواء.
وقد ذكرت المصادر الأجنبية أن اسم ((يثرب)) جاء في جغرافية بطليموس اليوناني , الذي عاش نحو 60_ 168 م , وذكرها ايضا باسم ((يثرب)) اصطفيانوس البيزنطي في القرن الرابع الميلادي وهذا يدل على أن نشأة المدينة قديم , وما ذكره بطليمونس إلا لشهرته وذيوع صيته قيل بطليموس بمئات السنين .. ويفسّر هذا القدم ورود اسم يثرب في الكتابات ((المعينيّة)) ودولة ((معين)) دولة قديمة في اليمن ورثتها الدولة السبئية في القرن السابع قبل الميلاد , وكانوا يسيطرون على معظم طريق التجارة القديم بين الشام واليمن , وكانت لهم مستعمراتهم ومحطاتهم على طوله.

الصفحة 27