كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

28…والأغلب أن المعينيين , وبطليموس , لم يضعوا هذا الاسم ((يثرب)) على هذا المكان , وإنما وجدوه موضوعا فسجلوه.
ووجود المادة اللغوية ((ثرب)) في معاجم اللغة العربية , واستخدام مشتقاته في اللغة القرشية , لغة القرآن، والحديث الشريف، دليل على قدم اللغة العربية القرشية، وسعة انتشارها في الجزيرة العربية وإذا وجد اختلاف بين اللغة القرشية، ولغات العمالقة وأهل اليمن القدماء، فإن الاختلاف ناتج عن التطور والتجديد في اللغة، فاللغة العربية لغة اشتقاق ووضع مستمرين، والاشتقاق والوضع يكونان بسبب الحاجات المتجددة في المجتمع، ومن الطبعي أن توجد ألفاظ، وأعلام، وأسماء، في كل قرن، لا يعرفها القرن السابق، بل قد تهجر بعض الألفاظ القديمة، ويحل محلها ألفاظ جديدة، أو يستغنى عنها لعدم الحاجة إليها، لتغير طرق المعاش في كل قرن.
وقد وجدت في القرون الإسلامية المتوالية، حتى وقتنا الحاضر، ألفاظ وعبارات، وتراكيب، لو بعث جاهلي من قبره ما فهم مدلولاتها، لأنها لم تكن معروفة في زمانه.
وهذا التطور اللغوي جعل الباحثين في القديم والحديث يقولون بوجود لغات سابقة على اللغة القرشية، وربما وقتوا ظهور اللغة القرشية، بظهور أسواق العرب في الحجاز، وبخاصة سوق عكاظ .. وهذا ظن لايقوم على دليل، والأقوى ما ذكرناه من وجود أطوار لغوية لا وجود لغات متباينة.
وأما قول ((دائرة معارف القرن العشرين)) أن كلمة يثرب محرفة عن الكلمة المصرية ((أتريبي)) وأن العمالقة بنوها بعد خروجهم من مصر .. فهو كلام باطل، لأن أول من نزل يثرب من بني عبيل أخوة عاد، وعاد قوم هود عليه السلام، وقوم هود من العرب، ونبيهم هود أول نبي أرسله الله بعد الطوفان، فهم أقدم حضارة ووجوداً من فراعنة مصر، وإذا صح انتقال العمالقة من الجزيرة العربية إلى مصر، فإن الاسم المصري ((أتريبس)) جاء بعد نشأة يثرب في الحجاز، وقد يكون العمالقة نقلوا هذا الاسم إلى مصر، لأن ((أتريبس)) قريب من لفظ ((أثرب)) لغة في ((يثرب)).

الصفحة 28