كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

34…
2 ـ موقع المدينة الاقتصادي
(أ) لن أتحدث عن موقع المدينة الاقتصادي، بلغة أهل الجغرافية والجيولوجية، لأنني لا أملك دراسة علمية دقيقة في هذا الموضوع. وأكاد أجزم أن الآخرين لا يملكون هذه الدراسة أيضاً.
فأنا لا أثق بالدراسات الجيولوجية والجغرافية التي لا يقوم بها أهل الأرض الحريصون على معرفة كنوز أرضهم، ذلك أن الدراسات الجيولوجية والجغرافية التي يعتمد عليها الباحثون الذين يدعون الصفة العلمية، دراسات قديمة بالية، أو دراسات أخفت الحقيقة وأشاعت الأكاذيب، لأن الذين قاموا بها لا يحبون الخير لديار الإسلام.
ويعجبني جداً كلام كتبه شكيب أرسلان في كتابه ((الارتسامات اللطاف)) وهو يتحدث عن السكة الحديدية التي كانت تربط الشام بالحجاز، قبيل الحرب العالمية الأولى، فقال: ((وقد كان بلغ سكان المدينة قبل الحرب العامة الأولى نحو خمسين ألف نسمة وصار المتر المربع من الأرض الفضاء في وسط البلدة يباع بعشرة جنيهات، وفي الضواحي بجنيه واحد، وكانت الناس مقبلة على الشراء من كل جانب، فلما انقطعت السكة الحديدية الحجازية الواصلة بين المدينة والشام، بسبب استئثار دولتي فرنسة وانكلترة اللتين وضعتا أيديهما على قطع هذا الخط الذي يمر في سورية وفلسطين والبلقاء، وجهلتا بل هضمتا حقوق المسلمين الخاصة فيه، تقلص عمران المدينة المنورة ونزل عدد سكانها من الخمسين ألفاً إلى خمسة عشر ألفاً كما أن جميع القرى التي كانت على جوانب الخط مثل معان وتبوك…

الصفحة 34