كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

37…والتخلف الذي أطبق على البلاد إبان العصر التركي، وزادها رسوخاً أن الناس لم يكونوا يرون في أسواق مكة والمدينة من الخضر والفواكه ما يجدونه في بلادهم، وورث الناس هذه الأفكار حتى أيامنا، فتجد الحجاج قد أتوا إلى أداء مناسكهم وهم يحملون كل ما يكفيهم من الطعام في رحلة الحج.
وعملت الحكومات الإسلامية في عهود التخلف على ترسيخ هذه الفكرة حيث كان كل حاكم أو أمير يرسل إلى أهل الحرمين في كل عام صرة الحج وتوزع على الناس في الموسم، فيرى الحجاج القادمون من البلاد الإسلامية بأعينهم تهافت الناس غلى العطاء، ويشيعونه في بلادهم.
والحق أن هذه الصرر والصدقات أدت إلى قتل الهمم، وإماتة العزائم كما أدت إلى وجود طبقة من الكسالى الذين يرضون بالقليل، ينتظرونه كل عام فكان هؤلاء الكسالى، يبدون ويعيدون أمام حجاج البيت الحرام وزوار الروضة النبوية، عن فقر الحجاز، تعمداً منهم ليستزيدوا بر الحجاج بهم ويستدروا عواطف العالم الإسلامي عليهم.
وتقرأ في بعض المصادر التاريخية أن السلطان الفلاني كان كريماً وأنه كان يخص أهل المدينة بالصدقات، ويوزع عليهم الهدايا والأموال وأن السلطان الفلاني اهتم بأمر المدينة , فبنى حولها سورا ...والرأي عندي , أن هذا السلطان ليس بكريم، ولا يعد بناء السور مأثرة من مآثره؛ لأنه كان من واجب السلطان أن يبحث عن سبب العوز والفقر في المدينة، فيزيله، وأن يفكر في سبب انعدام الأمن، وحاجة المدينة إلى السور، إن بناء السور يزيد الناس خوفاً، ويزيدهم فقراً وعوزاً لأنهم يبقون قابعين بين الأسوار فلا يسافرون، ولا يتاجرون، ولا يزرعون .. كان واجب هذا السلطان أن يعرف أسباب اعتداء أهل البادية على أهل المدينة، ويزيل هذه الأسباب، فسبيل الإصلاح أن يساعد اهل البادية على استنباط الماء وزرع الأرض ليكفل لهم لقمة العيش وليوفر لماشيتهم اسباب الحياة.
ولو فعل ذلك ما احتاج إلى بناء سور زاد أهل المدينة خوفاً وكسلاً، وزاد أهل البادية فقراً وشراسة ...…

الصفحة 37