كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

38…لقد عاشت المدينة قرونا طوالا في الجاهلية وصدر الإسلام , ولم تعرف الأسوار وكان الناس في خير وفير وأمن عميم.
وكان عدد سكان المدينة يفوق عددهم في القرون التي قبعت فيها المدينة خلف الأسوار , وربما كان لها من الاتساع أكثر مما نجده في هذا القرن الذي نعيشه .. الحق: أن سلاطين المسلمين بعد القرن الأول ساعدوا على إفقار أهل الحجاز بسياستهم العوجاء , مع كثرة الأموال التي كانت تصب في خزائنهم .. وكان همهم الوحيد أن تقع تحت سلطتهم , لينالوا رضا المسلمين عنهم , لأن الاستيلاء على الحرمين استيلاء على قلوب المسلمين , ليقال إنهم من حراس الأماكن المقدسة.
وقد بنى السلاطين المماليك والأتراك في عواصمهم المساجد والآثار التي لا تبلى مع الدهر , وأنفقوا عليها الأموال الطائلة , وما تركوه من آثارهم في المسجدين المقدسين , والحرمين الشريفين لم يصمد أمام تقلبات المناخ والزمان .. وذهب مع الريح.
* * * (ب) ونحن عندما ندرس الموقع الاقتصادي للمدينة (يثرب) لا ندرسها على أنها واحة في قفر , وإنما ندرسها مقرونة بما حولها من البقاع التي يمكن أن يتم تبادل المنافع معها لقربها منها , أو لوجود المسالك إليها.
والواقع الاقتصادي الذي سجله التاريخ , وأخبار النشاط الاقتصادي , في يثرب الجاهلية , والمدينة الإسلامية , يدل على وفرة أسباب العيش في المدينة , وذلك لما يلي: أولا: نأخذ من الدلالات الاقتصادية لكلمة ((مال)) أن المدينة كانت ذات أرض زراعية واسعة؛ حيث تتبدل دلالة الكلمة بتبدل البيئة التي تستخدمها.
فالمال عند أهل البادية , تعني: الإبل والشاء , وغيرها من المواشي , لما جاء في قصة زواج بنات ذي الإصبع العدواني , حيث سأل الكبرى: يابنية مامالكم قالت: الأبل , قال: فكيف تجدينها , قالت: خير مال .. ثم قال…

الصفحة 38