كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

40…ثانيا: يظهر من الأخبار , والنصوص الشعرية , أن ارض المدينة كانت غنية بالمياه الجوفية , وتجري في أراضيها الجداول , وتنفجر منها العيون: فالمدينة تقع عند ملتقى ثلاثة أودية كبيرة: بطحان , والعقيق , وقناة يأتي إليها الماء من مسافات بعيدة , ويتسرب قدر كبير من مائها إلى باطن الأرض .. وقد رأينا _ في أيامنا _ أودية المدينة تسيل فيها المياه أياما طويلة , وكأنها أنهار متدفقة .. ويبدو أن مواسم الأمطار كانت أكثر غزارة وتتابعا في القرون القديمة وسنوات الجدب كانت معدودة ومتباعدة , ولذلك فإن الآبار والعيون تبقى غزيرة المياه ...ومن الأمثلة الدالة على ذلك: أبيات لحسان بن ثابت , من قصيدة طويلة يفخر فيها حيث يقول , وهي قصيدة إسلامية:
لنا حرة مأطورة بجبالها بنى المجد فيها بيته فتأهلا (1)
بها النخل والآطام تجري خلالها جداول قد تعلو رقاقا وجرولا (2)
إذا جدول منها تصرم ماؤه وصلنا إليه بالنواضح جدولا (3)
على كل مفهاق خسيف غروبها تفرّع في حوض من الصخر أنجلا (4)
له غلل في ظل كل حديقة يعارض يعبوبا من الماء سلسلا (5)
إذا جئتها ألقيت في حجراتها عناجيج قبّا والسوام المؤيلا (6)

__________
(1) مأطورة: محاطة. تأهل: اتخذ أهلا
(2) الآطام: الواحد أطم وهو الحصن. الرقاق: الأرض الصلبة المستوية. والجرول: الموضع في الجبل الكثير الحجارة.
(3) النواضح: الواحد ناضح , وهو البعير يستقى عليها الماء من البئر
(4) المفهاق: البئر الكثيرة الماء , الخسيف: البئر التي تحفر في الحجارة فلا ينقطع ماؤها. والغروب: واحدها: الغرب , وهو الدلو. الأنجل: الواسع.
(5) الغلل: الماء الذي يجري بين الشجر. اليعبوب: النهر. السلسل: الماضي في جريه.
(6) حجراتها: نواحيها. العناجيج: الواحد , عنجوج , وهو الفرس الجواد. القب: الضامرة البطون , الواحد: أقب. السوام: الأبل الراعية. المؤبل: المقتنى.

الصفحة 40