كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

41…وجاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: ((وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، قالت: فكان وادي بطحان يجري نجلاً)) [الفتح 99/ 4].
والوباء الذي كان يكون في المدينة، يقصد به الحمقى التي تحدثها الملاريا، أو بعوضة المستنقعات، والمستنقعات إنما تكون من كثرة المياه، بل من زيادة الماء في الوادي، وفيضانه على الجانبين، مما يجعل المياه راكدة .. أما الوادي نفسه، فلا تكاد تستقر المياه فيه، لأنها تذهب منحدرة إلى مصبها.
وأما قولها: فكان بطحان يجري نجلاً، فهو تعليل كثرة المستنقعات، لأن ((نجلاً)) يعني واسعاً غزيراً يفيض على الجانبين، وليس كما فسرها الراوي ((آجناً)) لأن الماء الجاري لا يكون آجناً، أي: متغيراً، وإنما يصبح الماء آجناً إذا ركد.
ثالثاً: ومما يدل على خصوبة تربة المدينة، واتساع رقعتها الصالحة للزراعة، أنها كانت زائدة على حاجة الأوس والخزرج، ووجد فيها المهاجرون أراضي كثيرة يزرعونها ونقلت إلينا كتب التراجم، والأحاديث النبوية، أن كبار الصحابة قد اشتغلوا بإصلاح الأرض والزراعة، نذكر منهم الزبير بن العوام رضي الله عنه، حيث روى البخاري في صحيحه: أن رجلا ً من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج (1) الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: ((اسق يا زبير، ثم أرسل إلى جارك .. الحديث)) [الفتح 42/ 5].
وروى البخاري أيضاً، لأن الزبير كان قد اشترى ((الغابة)) بسبعين ومئة ألف فباعها عبد الله بن الزبير، بألف ألف وستمائة ألف.
والغابة أرض واسعة في طرف المدينة الشامي، مشهورة بكثرة أشجارها، حيث تقع بعد ملتقى أودية المدينة الثلاثة: العقيق، وبطحان، وقناة.
وروى الزبير بن بكار: قال معاوية بن أبي سفيان لعبد الرحمن بن…
__________
(1) الشراج: جمع شرج بفتح الشين وسكون الراء. وهو مسيل الماء من الحرة إلى السهل.

الصفحة 41