كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

42…أبي أحمد بن جحش وكان وكيله بضياعه بالمدينة ـ يعني أودية اشتراها واعتملها ـ فلبث ثم جاء فقال: قد وجدت لك أودية، قال: قل .. فذكر له أودية فلم يرغب فيها وذكر له الغابة، فقال: اشترها لي، فقال لمعاوية: ذكرت لك أودية لا تعرفها فكرهتها، وذكرت لك وادياً لا تعرفه فقلت: اشتره .. قال: ذكرت الغابة، فدلتني على كثرة مائها .. كما قال الأول:
إن كنت تبغي العلم أو مثله أو شاهداً يخبر عن غائب
فاختبر الأرض بأسمائها واعتبر الصاحب بالصاحب
.. فقد أخذ من لفظ الغابة كثرة مائها، لأنها ـ لغة ـ ذات الشجر المتكاثف، فتغيب ما فيها، وذلك لكثرة الماء. [وفاء الوفا 1276].
ومن الصحابة الذين اشتغلوا بالزراعة ـ من المهاجرين ـ عبد الرحمن بن عوف، فقد كانت له أرض واسعة بالجرف ـ شامي المدينة ـ وكان يسقي على خمسين ناضحاً وكان لسعيد بن زيد، وأبي هريرة، مزرعتان في ذي الحليفة (آبار علي) بالقرب من الميقات.
ومن تابعي المهاجرين نذكر عروة بن الزبير صاحب البئر المشهورة على وادي العقيق، وكان له بيت وبستان .. وسعيد بن العاص، أمير المدينة الجواد المشهور، وكان له قصر، وبستان، لا تفارقه الطيور لكثرة ثماره في عرصة العقيق، بجوار الجامعة الإسلامية.
رابعاً: كانت المدينة مشهورة منذالقديم بكثرة نخيلها، لما روي من الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأيت في المنام أني أُهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة، أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب)). [الفتح 226/ 7] وهجر، مشهورة بتمرها منذ القديم، حتى ضرب بها المثل، فقيل: ((كمهدي التمر إلى أهل هجر)) لمن يحمل شيئاً ليس بطريف.
وعندما أرسل الله سيل العرم على أهل سبأ، وخربت بلادهم بعد العمران، وصف لهم كاهنهم بلاد العرب، ليرحل كل فريق إلى الجهة التي يجد فيها حاجته، فقال ساجعاً: ((ومن…

الصفحة 42