كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

43…كان منكم يريد الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، فليلحق بالحرة ذات النخل)) فكان الذين سكنوها، الأوس والخزرج، وإذا كنا لانطمئن إلى صحة نقل هذا السجع فإننا نقول: إن صانعه راعى البيئة والتاريخ، ليكون سجعه مناسباً.
ومما يدل على كثرة النخيل في المدينة، كثرة أنواعه التي يذكرونها في المدينة، وكونه يستقطب بحيز كبير من أبواب المعاملات في الحديث النبوي: كأبواب: البيوع، والمزارعة، والمساقاة، كما يكثر ذكره في باب الطعام ...وتؤكد الأخبار أن التمر كان يفيض عن حاجة أهل المدينة، فيصدرونه إلى الأسواق المجاورة أو تأتي القوافل التجارية إلى أسواق المدينة لتمتار من التمر.
خامساً: كان أهل المدينة يعلفون إبلهم ودوابهم بعامة، النوى؛ لما ورد في الخبر عن عمر بن الخطاب، أنه لقط نويات من الطريق فأمسكها بيده حتى مر بدار قوم فألقاها فيها وقال: ((تأكله داجنتهم)). [لسان العرب].
وجاء عن أسماء بنت أبي بكر، زوج الزبير بن العوام قالت: ((وكنت أدق النوى لناضحه، وأنقل النوى من أرض الزبير .. )) [الإصابة].
وجاء في خبر فتح مكة: أن قريشاً نصرت بني بكر على خزاعة، وكانت خزاعة على حلف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بديل بن ورقاء الخزاعي إلى رسول الله ليخبره بما كان، ثم عاد واصحابه، فلقي أبا سفيان بعسفان ـ قرب مكة ـ قد بعثته قريش ليشد العقد ويزيد في مدة الهدنة، فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء قال: من أين أقبلت يا بديل، وظن أنه أتى رسول الله في المدينة قال: تيسرت في خزاعة في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي، قال: أو ما جئت محمداً؟ قال: لا، فلما راح بديل إلى مكة، قال أبو سفيان: لئن جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى.
فأتى مبرك راحلته فأخذ من بعرها، ففته، فوجد فيه النوى، فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً.

الصفحة 43