كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

44…سادساً: شغل النخيل حيزاً من شعر أهل المدينة وأمثالهم، مما يدل على امتزاجه بحياتهم، وبعد جذوره التاريخية في المجتمع اليثربي: فمن الأمثال قولهم: ((التمرة، إلى التمرة، تمر)) مثل يضرب في استصلاح المال، وجمعه.
وقولهم: ((التمر في البئر وعلى ظهر الجمل)) وأصل ذلك أن منادياً كان في الجاهلية يكون على أطم من آطام المدينة حين يدرك البسر، فينادي: التمر في البئر .. الخ يقصد من سقى وجد عاقبة سقيه في تمره، ويقال في حسن عاقبة المجد، وهو شبيه بقولهم ((عند الصباح يحمد القوم السرى)).
ومنها قول الحباب بن المنذر يوم السقيفة ((أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب)).
ومن الشعر، قول أُحيحة بن الجلاح، يذكر فضائل النخل:
يلومونني في اشتراء النخيل أهلي فكلهم يعذل (1)
وأهل الذي باع يلحونه كما لحي البائع الأول (2)
هي الظل في الحر حق الظليل، والمنظر الأحسن الأجمل
تعشى أسافلها بالجبوب وتأتي حلوبتها من عل (3)
وتصبح حيث تبيت الرعاء وإن ضيعوها وإن أهملوا…
__________
(1) قوله: ((يلومونني .. أهلي)) البيت شاهد للغة ((يتعاقبون فيكم ملائكة)) التي يسمونها لغة ((أكلوني البراغيث)) لأنه ذكر واو الجمع مع ذكر الفاعل الظاهر. وقد تأوله الذين يضعفون هذه اللغة، أن الواو علامة الجمع، ويرى آخرون أن الواو: فاعل، والاسم الظاهر بدل. وهو الأقوى.
(2) يلحونه: يلومونه.
(3) تعشى: فعل ماض، وأسافلها: فاعله. يريد أن النخل تشرب الماء من أسفل. والحلوبة: ذات اللبن، شبه النخل بالإبل. يريد: لا عمل ولا كد في النخل، فأسفلها يأخذ غذاءه من التراب، والمثمرة منها يدرك ثمرها فوقها.

الصفحة 44