كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

47…
ويقول واصفا كثرة نخيله , وخصب أرضه:
إذا جمادى منعت قطرها زان جنابي عطن مغضف (1)
معرورف أسبل جباره أسود كالغابة مغدودف (2)
.. فهو يصرح في البيتين , بأنه إذا أخلفت جمادى الأزمنة (الشتاء) فتأخر مطرها أو انقطع , فلم يكن العشب الذي يزين مواضع الناس , فإن جنانه يزينها دائما نخيله الراسخة في الماء , الكثيرة الحمل.
إن كل نخلة غزيرة السعف طويلته , فكأنها عرف الديك أو الفرس.
وكبيرة النخل بخاصة تدلي سعفها فكأنها حسناء قد أغدقت قناعها , والنخيل في مجموعه , لشدة خضرته التي تقترب من السواد وكثرته يشبه الغابة في عين الناظر.
ومما له على كثرة الماء: ورود اسم الغابة في شعر أحيحة في مواضع: منها , البيت السابق حيث شبه كثرة النخيل وتزاحمه بالغابة.
ويقول في موضع آخر , يصف فتيان قومه:…
__________
(1) جمادى: نقل ابن منظور , أن الشتاء عند العرب , هي جمادى الآخرة. وقال أبو حنيفة: جمادى عند العرب , الشتاء كله. وقال ابن سيدة: وجمادى: من أسماء الشهور , معرفة , سميت بذلك لجمود الماء فيها عند تسمية الشهور. وعلى هذا , فإن جمادى في بيت أحيحة , قد يريد به الشتاء , لأن الشتاء قد يأتي في جمادى وفي غيرها , لعدم ثبوت الشهر العربي في زمن واحد. وقد يكون جمادى هنا الشهر , وصادف مجيء الشتاء فيه زمن الشاعر, ولكن الشاعر يفخر , والفخر يقتضي عموم السنوات. والعطن: النخيل الراسخة في الماء الكثيرة. وأغضف العطن: كثر نعمه. يقول: إذا لم يكن المطر الذي به العشب يزين مواضع الناس , فجناني تزين بالنخل.
(2) معرورف: يقال: أعرف الفرس إذا طال عرفه , واعرورف: إذا صار ذا عرف. وعرف الديك والفرس والدابة: نبت الشعر والريش وارتفع فصار له كالعرف. أسبل الزرع: خرجت سبولته , والسبولة والسبلة والسنبلة: الزرعة المائلة.
والجبار من النخل: ما طال , وفات اليد. يقال نخلة جبارة وناقة جبارة: أي؛ عظيمة وسمينة. ومغدودف: يقال: أغدفت المرأة قناعها , إذا أرسلته على وجهها.

الصفحة 47