كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

57…العرب الذين لم تصلنا أنسابهم , فهم العرب البائرة , كجرهم وطسم وجديس وعاد وثمود .. وليس معنى ((البائدة)) انقطاع سببهم من الحياة , وإنما معناها الجهل بأصولهم وفروعهم , وذوبانهم في غيرهم من الأجيال التالية .. لأن إسماعيل عليه السلام جاور قوما من العرب في مكة وصاهرهم , ثم اضمحل ذكرهم وطغا عليهم النسب الإسماعيلي , وليس على أديم الأرض أحد يصحح أنه منهم.
خامسا: زمن نزول الأوس والخزرج , يثرب: فإننا نملك إشارة قوية في القرآن الكريم إلى أن هجرة من سبأ , كانت إثر خراب سد مأرب , لقوله تعالى: (فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق) [سبأ: 15].
ويفسر معنى الآية قولهم في الأمثال: ((تفرق القوم أيدي سبا , وأيادي سبا)) والمعنى: تبددوا تبددا لا اجتماع بعده ويذكرون في قصة المثل: أن الله أرسل على تلك الأرض السيل , فأغرقها وأذهب جناتها , فانتزح سبأ وقومه , وتبددوا في البلاد , فضرب المثل بهم. وقولهم ((أيدي سبا)) تعرب حالا مؤولة أي: مبددين.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: ((إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ: ما هو؟ أرجل أم امرأة, أم أرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: بل هو رجل , ولد له عشرة , فسكن اليمن منهم ستة , والشام منهم أربعة , فأما اليمانيون: فمذحج , وكندة , والأزد والأشعريون وأنمار وحمير , وأما الشامية: فلخم وجذام وعاملة , وغسان)) ...فتفرق القوم بعد خراب السد , قد كان , ولا يشك في ذلك أحد.
ولكننا مع ذلك لا نملك دليلا صريحا على أن ((الأوس والخزرج)) هاجروا من بلاد سبأ , إثر خراب سد مأرب , لأننا لا نملك نصا يصرح باسمهم , وكل ما وصلنا من أخبار رحيل ((الأزد)) أسجاع كهان من صنع المتأخرين , وروايات منقطعة واهية , وفيها تضارب واختلاف .. فلم أقرأ رواية ترتفع إلى صحابي أنصاري , أو تابعي أنصاري يتحدث عن نسب قومه , وقصة رحيلهم وسبب الرحيل إلى يثرب , مع أن علم الأنساب , كان من العلوم الابتدائية التي يتلقنها…

الصفحة 57