كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

58…الأطفال في عهد التابعين , عندما بدأت حلقات الدراسة (1) والسؤال الذي نطرحه: هل كان الأوس والخزرج , ممن رحلوا بعد خراب السد أم رحلوا قبل ذلك؟
الجواب: فإن تفرق أهل سبأ بعد خراب السد قد حصل , لأن القرآن قد ذكر ذلك ولكن هناك قوم رحلوا من اليمن قبل خراب السد , وقوم رحلوا بعد خرابه .. فالحديث النبوي الذي رواه الإمام أحمد , والترمذي يذكر أربعة من قبائل اليمن توجهت إلى الشام , وذكر منها غسان , والمشهور أن ((غسان)) رحلت أثر خراب السد , وتذكرمع الأوس والخزرج , وخزاعة , وأزد عمان وغيرهم ولكن ذكر أيضا ((لخم , وجذام , وعاملة)) وهذه لم تهاجر إلى الشام بسبب خراب سد مأرب , وإنما كانت هجرتهم قديمة , لأسباب أخرى .. وعلى هذا , فقد تكون القبائل التي رحلت بعد خراب السد , غير من ذكروا من القبائل , وتكون القبائل التي في قصة نزول الأوس والخزرج يثرب قد هاجرت قبل ذلك .. ولكن المؤرخين العرب القدماء كثيرا ما يؤرخون بالحوادث الكبرى , وأكبر الحوادث التي حصلت في بلاد اليمن ((خراب السد)) .. فلم يجدوا تعليلا لهجرة الأوس والخزرج إلا هذا الحدث الكبير , فإضافوهم إلى من هاجر بعد سيل العرم .. وقد يكونون هاجروا قبل وقوع الحدث الكبير: وعندنا أدلة نستأنس بها لترجيح هذا الرأي: ومنها رواية ابن هشام في سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن , أنه رأى جرذا يحفر في سد مأرب .. فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك , فاعتزم على النقلة من اليمن .. وقالت الأزد: لا نتخلف عن عمرو بن عامر , فباعوا أموالهم…
__________
(1) جاء في ترجمة محمد بن مسلم الزهري (58 _ 123 هـ): ((نشأت وأنا غلام .. وكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بن ثعلبة بن صعير , وكان عالما بذلك)). والزهري من صغار التابعين , وعبد الله من صغار الصحابة , وهذا يدل على أن علم النسب كان معروفا , يؤخذ عن الأساتذة , ولا يتلقنه التلميذ من أهله فقط. [انظر: محمد بن مسلم الزهري _ للمؤلف , من سلسة أعلام المسلمين , بدار القلم].

الصفحة 58