كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
59…وخرجوا معه .. وتفرقوا في البلدان .. ثم أرسل الله على السد السيل فهدمه ... وقوله: ثم أرسل ... تدل على الترتيب مع التراخي والإبطاء , والتراخي هنا قد يكون قرونا.
ومنها: أن خزاعة , تذكر مع الأوس والخزرج في تاريخ الهجرة من اليمن وجاء في الحديث الصحيح , أن عمرو بن لحي أبو خزاعة , وجاء في الحديث الذي رواه ابن هشام عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه (أمعاءه) في النار .. إنه كان أول من غير دين إسماعيل , فنصب الأوثان ... )) [السيرة 1/ 76].
وذكروا في سبب ذلك أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره , فلما قدم , مآب (مؤاب) من أرض البلقان وبها يومئذ العماليق , رآهم يعبدون الأصنام , فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها , فنستمطرها فتمطرنا ... فقال لهم: ألا تعطوني منها صنما , فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه؟ فأعطوه صنما يقال له ((هبل)) فقدم به مكة , فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.
و ((مؤاب)) التي يذكرون أن عمرو بن لحي أخذ الصنم من عماليقها , قامت مملكتها قبل الميلاد بنحو عشرة قرون , ووصلت أوج مجدها في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد , في زمن ملكها ((ميشع)) حيث وسع مملكته حتى وصلت إلى ((معان)) وكانت عاصمتها في بقعة مدينة الكرك , واحتلها نبوخذنصر الثاني سنة 582 ق م , واختفى اسم المؤابيين في القرن الثاني قبل الميلاد.
وقد كان ميلاد إسماعيل عليه السلام سنة 1794 ق م , ثم رحل مع أمه هاجر إلى مكة وهو طفل , وبث رسالته في قومه حوالي سنة 1750 ق م ويكون بين ظهور دين إبراهيم وإسماعيل في مكة وظهور المؤابيين حوالي تسعمائة سنة وهي مدة كافية لنسيان الأحفاد ديانة الآباء , وظهور التبدل في العقائد وقالوا: إن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل , أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم , تعظيما للحرم , وحيثما نزلوا,…