كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

6…
الثوب الجاهلي , ويطعن فيما عداه , وهذا يلبس ثوب الإسلام ويطعن في العصر الجاهلي , وذاك يلبس الثوب الصليبي ويغمز من جانب صلاح الدين , والآخر ينقض على أسرة حكمت فيمزق عرضها .. الخ.
كل هذه الصراعات التاريخية تكاد تكون موجودة في مجتمعنا , وقد يعلو صوت إحداها فيطغى ويغطي على الصراعات الأخرى , مع أن محركها وباعثها واحد.
ولكن المغيرين يثيرون قضايا شتى, ويغمزون جوانب من عصور متفرقة ثم ينتظرون , ليروا أي النواحي أشد تحصينا وأكثر جندا , فيصرفوا وجوههم عنها إلى جوانب أقل تحصينا وأضعف جندا؛ لينقصوا التاريخ من أطرافه , ويبتوا صلة المركز بالأطراف.
فقد قسموا التاريخ إلى دوائر , وجعلوا مركز الدائرة الأولى , القرآن والنبوة , ووجدوا أن الهجوم على مركز الدائرة , أو مركز الدوائر يثير عليهم جنودا لا قبل لهم بالوقوف أمامهم , فأوقفوا هجومهم عليه إلى أجل , وانتقلوا إلى الدائرة الثانية , فالثالثة الخ.
وكلما بعدت الدائرة عن المركز , ازداد هجومهم وكثرت دسائسهم , لأن الدائرة الأبعد يقل جنودها , لضعف مكانتها في قلوب العامة.
وهذا الذي وصفته كان من دواعي البدء بالعصر الأموي , والموضوعات التي تلته, قبل العصر النبوي؛ لأن المؤرخين في العصر الحديث شوهوا تأريخ المدينة في عصر من أزهى عصوره العلمية - في الفقه والحديث - معتمدين على روايات كتب الأدب التي لم يصنعها أصحابها للتأريخ , ولم يكن مؤلفوها من الرواة المعتمدين في رواية أخبار أهل الصلاح.
واستغل المؤرخون اختلاف الآراء حول بني أمية , ووجدوا من يوافقهم على افتراءاتهم , واتخذ المؤرخون من أخبار وادي العقيق الأدبية, شواهد لإثبات أحكامهم على تأريخ المدينة في العصر الأموي, فأحببت أن أفرده بكتاب , لأثبت فيه الأحكام الصحيحة على هذا العصر , ولآخذ من أخباره الدلالات الحضارية في العمران , والاقتصاد , ولأبين أسباب تعلق قلوب الشعراء به.
و ((المعالم الأثيرة في السنة والسيرة)) ليست…

الصفحة 6