كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

60…وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة , حتى أدى ذلك بهم إلى أن كانوا بعبدون ما استحسنوا من الحجارة , حتى خلف الخلوف , ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره , فعبدوا الأوثان , وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من الضلالات .. [السيرة 1/ 77].
وإذا كانت مملكة مؤاب قد امتدت من القرن العاشر , إلى القرن الثاني قبل الميلاد فلا بد أن عمرو بن لحي اتصل بهم وهم في أوج مجدهم , بل عندما كانت المملكة يسودها العماليق , كما ذكروا , وسيادة العماليق كانت قبل القرن السادس قبل الميلاد , ثم بدأت موجة العماليق تختفي من بلاد الشام ويحل محلها أسماء جديدة من الهجرات العربية التالية مثل الأنباط , ولخم , وجذام , وقضاعة وعاملة ... الخ.
وعلى هذا نستطيع أن نقدر أن هجرة خزاعة إلى مكة , وسيطرتها على الحرم مكان جرهم , إنما كان قبل الميلاد بحوالي خمسة قرون أو أكثر ... وبناء عليه فإن هجرة الأوس والخزرج إلى المدينة , كانت قريبة من هذا التاريخ , أما سيل العرم الذي يؤرخون به نزول الأوس والخزرج يثرب , فقالوا: إنه كان في أيام عيسى عليه السلام , أو قبله بقليل ... وهذا الزمن لا يتفق مع حال الأوس والخزرج اللغوي والاجتماعي قبل الإسلام , وذلك لما يلي:
1 - من المعروف أنه كان لكل قبيلة , أو عدد من القبائل , يسكنون في منازل متقاربة لغة فيها شيء من الاختلاف عن لغات (أو لهجات) القبائل العربية في الجزيرة العربية .. ويظهر هذا الاختلاف في تفسير الحديث الشريف: ((نزل القرآن على سبعة أحرف)).
فقال قوم: إن المراد سبع لغات .. وقالوا: نزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء , ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب ولم يكلف أحدا منهم الانتقال عن لغته إلى لغة أخرى للمشقة , ولما…

الصفحة 60