كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

62…اللذين صح لهما قصائد بقدر عشر، وإن لم يكن لهما غيرهن، فليس موضعهما حيث وضعا من الشهرة والتقدمة. [الطبقات 26/ 1] قال ابن سلام: ولم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حاجته، وإنما قصدت القصائد وطول الشعر في عهد عبد المطلب وهاشم بن عبد مناف ... وقال محمود محمد شاكر تعليقاً على ما سبق: هكذا يرى ابن سلام وغيره من المتقدمين وهو عندي باطل، فالشعر أقدم مما يزعم، وطويله أعتق مما يتوهم وليته قال هنا ما قاله في سبب ذهاب شعر طرفة وعبيد، أن قدمهما كان السبب في قلة ما روي عنهما، فإذا صح ذلك فمن كان قبلهما أجدر أن يذهب من كلامه أكثر مما ذهب من كلامهما.
اقول: والشعر، مدرسة وتربية، ولن يكون شعر في قصائد مطولة إلا إذا سبقته البدايات التي تكون في بيت أو بيتين .. فإذا كان ما وصلنا من الشعر يصل زمنه إلى حوالي 150 قبل الهجرة، فإن مئة وخمسين سنة أخرى من الإبداع الشعري، قد ضاع نتاجها، وهناك مئة وخمسون سنة أخرى تكون مرحلة الإعداد .. وبهذا يكون قد بدأ قول الشعر العربي حوالي 500 قبل الهجرة، وهو قريب من عهد عيسى عليه السلام.
والنتيجة التي أريد أن أصل إليها، هو أن هذا الشعر اليثربي الذي وصلنا والشعر الذي فقد قبله، والذي تسللت إلينا لغته في الشعر الذي وصلنا ـ إن هذا الشعر، وصل إلينا بلغة قرشية خالصة، لا تختلف عن لغة الشعر الذي قيل في مكة والطائف، ولم تظهر فيه آثار اللغة اليمنية التي كانت لهجة الأوس والخزرج يوم نزلوا يثرب .. ولو كان نزولهم يثرب زمن خراب السد، لظهرت آثار البيئة اليمنية في شعرهم ولغتهم .. ولكن أهل اللغة لم ينقلوا لنا لهجة خاصة بأهل المدينة، وإنما كانت لهجة أهل يثرب وأهل مكة واحدة، وتجمع المدينتين، لغة أهل الحجاز.

الصفحة 62