كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

65…الحسنة , ولم يخطر ببالهم ما سيحدث في القرون التالية , حيث نشؤوا في دولة إسلامية تعج بالعلم والعلماء , ولها من السلطان ما يهابه الأعداء .. ولم يتوقعوا أن يكون هناك استعمار أوربي لبلادهم , ولم يحسبوا حسابا للمستشرقين والمنصرين , ولم يفكروا أن يأتي يوم يستخدم فيه الأعداء تاريخنا أداة لحربنا , والانتصار علينا.
ومن كان يظن أن أعداءنا يسبقوننا في دراسة تاريخنا , ويتخرج جيل من مؤرخينا في جامعات أوروبا، ويأتي المستشرقون إلى بلادنا، ويدرسون تاريخنا لأبناءالعرب في الجامعات العربية؟.
لقد حصل كل هذا في غفلة من المسلمين، فنشأ جيل من العرب، لا يعرفون من تاريخهم إلا الأباطيل والأسمار، وأخبار النزاع والفتن، وما ألصق بها من الروايات الموضوعة .. ونشأ عن ذلك وجود جيل متزعزع العقيدة، قليل الثقة بأمته .. فإذا ناظرت أحدهم لترده إلى الحق، ولتعيد إليه الثقة بأمته قال: هكذا التاريخ يقول .. ويذكر لك عدداً من المصادر التاريخية، ويضع يدك على روايات مبثوثة، وليست مدسوسة.
والرواة مؤلفون من العرب صدرت كتبهم بألقاب تدل على علو منزلتهم ... عندئذ، فرضت علينا معركتان: الأولى: رصد ما شاع من الأخبار، وبيان كذبها وهذه معركة شرسة وشموس، لأن الأخبار الكاذبة قد ترسخت في عقول أجيال، وتداولها طلاب المدارس والجامعات وأثبتت في الكتب الدراسية والمعركة الثانية: العودة إلى كتبا التاريخية القديمة، ونقد نصوصها، والحكم على متونها وأسانيدها، لعل جيلاً جديداً ينبت وهو يميز الغث من السمين.
وبناء على ذلك قررنا تحقيق جوانب من تاريخ المدينة الجاهلي، ليقيننا ان تاريخ الامة لا يتجزأ، لأنه تاريخ الأرض التي ندين لها بالأنتماء، ونوليها كل ما عندنا من الحب ... …

الصفحة 65