كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
74…
(و) وبهذا يسقط القول بسبقهم إلى سكنى المدينة، وأنهم قدموا إليها قبل الأوس والخزرج، فقد تبين معنا قبل قليل أن الأوس والخزرج جاءوا إلى المدينة في القرن الخامس قبل الميلاد، أو قبله.
وإذا جعلنا هجرة الأوس في أعقاب خراب سد مأرب، ـ كما هو مشهور ـ فإن هجرتهم تكون هي الأسبق ايضاً، لأن خراب السد قد تم في القرن الثاني قبل الميلاد.
(ز) وقد روى بعض أهل السير أن بني إسرائيل كانوا يجدون محمداً صلى الله عليه وسلم منعوتاً في كتابهم وأنه يظهر في بعض هذه القرى العربية في قرية ذات نخل ... والصحيح في الخبر، أن محمداً عليه السلام، موصوف في التوراة، ولكن المكان المذكور في التوراة، هو مكة أو جبالها، وليس المدينة .. ولو أن اليهود جاءوا إلى الحجاز لاستقبال النبي المرتقب، لتوجهوا إلى مكة وليس إلى المدينة .. وأنقل هنا ما كتبه أحد أعلام اليهود وأحبارهم، بعد إسلامه، وهو السموأل بن يحيى المغربي، المتوفى سنة 570 هـ، حيث يقول في كتابه ((إفحام اليهود)).
إنهم لا يقدرون على أن يجحدوا هذه الآية من الجزء الثاني من السفر الخامس من التوراة: ((نبي أُقيم لهم من وسط اخوتهم مثلك، فليؤمنوا به)) فإن قالوا: إنه قال: من وسط اخوتهم، وليس من عادة كتابنا أن يعني بقوله ((إخوتكم)) إلا بني إسرائيل.
قلنا: بلى: قد جاء في التوراة ((اخوتكم بنو العيص)) حيث قال: أنتم عابرون في تخم اخوتكم بني العيص المقيمين في ((سعير)) إياكم أن تطمعوا في شيء من أرضهم.
فإذا كانوا بني العيص اخوة لبني اسرائيل لأن العيص واسرائيل ولدا إسحق، فكذلك بنو إسماعيل اخوة لجميع ولد إبراهيم.
وإن قالوا: إن هذا القول إنما اشير به إلى ((شمواىكيل)) النبي عليه السلام لأنه قال: من وسط اخوتهم مثلك، وشموائيل كان مثل موسى لأنه من أولاد ((ليوي)) يعنون من السبط الذي كان منه موسى.
…