كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

77…فهو يذكر قبائل اليهود ويقول: ((وأهل زهرة بزهرة، وهم رهط الفطيون وهو ملكهم الذي كان يفتض نساء أهل المدينة قبل أن يدخلن على أزواجهن)). (ص 164). وهم يذكرونها دليلاً على قوة اليهود في مبدأ الأمر، وضعف الأوس والخزرج لتفرقهم، ولكون اليهود كانوا السابقين إلى امتلاك الأراضي وزراعة النخيل، وبناء الآطام، وقد يردون بذكرها أن تكون ارهاصاً للرسالة الإسلامية حيث كان الأوس والخزرج في ضعف، ثم صار أمرهم إلى قوة، بعد قتل الفطيون والاستنجاد على اليهود بالعرب في اليمن أو في الشام.
والذين يروون القصة واحد من اثنين: إما أن يكون شعوبياً يكره العرب ويريد أن تدنس أنسابهم، ويصفهم بالذلة.
وإما أن يكون ذا عقل أعجمي جاهل.
فقد كانت المرأة النقطة الحساسة في شرف العرب ولذلك أحاطوها بسياج من القيود للحفاظ عليها حتى لا تسبب لهم الإساءة .. ولذلك أيضاً كان العربي شديد الحذر، فيختار للحفاظ على حريمه الأماكن المخوفة والدار الصعبة الأرتياد حتى ولو خلت من الماء والشجر، لئلا يتعرض للغزو ويلطخ شرفه شين أو عار، فقال الأعشى:
ودار حفاظ قد حللنا مخوفة سراة قليل رعيها ونباتها
.. وكانت حماية النساء والأطفال خطة أساسية في فنهم الحربي، وكانت القدرة على حماية الظعينة عنصراً أساسياً من عناصر البطولة العربية، فجعلهم يطلقون على بعض أبطالهم ((حامي الظعينة)) .. وما كان وأد البنات في الجاهلية إلا لأسباب منها الخوف على البنات من المهانة بيد الأعداء .. وتعددت أيام العرب، وحروبها من أجل المرأة، وما كان يوم ذي قار إلا لأن النعمان أبى أن يزوج بناته لملوك الفرس، وقال لقيط بن يعمر الإيادي يحذر قومه من كسرى:
ياقوم لا تأمنوا إن كنتم غيراً على نسائكم كسرى وما جمعا
هو الفناء الذي يجتث أصلكم فمن رأى مثل ذا رأياً ومن سمعا…

الصفحة 77