كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

8…
الأجل فسحة بعد هذا الكتاب , فإنني أكون قد وضعت الأساس والمنهاج , لمن يحمل هذه الأمانة من بعد.
فالحجاز بعامة , والمدينة بخاصة _ مهبط الوحي , ومنبع الحضارة الإسلامية , ومبدأ كل شرف وسؤدد فخر به ملوك المسلمين , ومع ذلك لم ينل من المؤلفين عنايتهم بوصفه مكان فيض الحضارة وانطلاقها , فكان ذلك عقوقا من الفرع للأصل.
ولكن الحجاز _ مكة والمدينة _ مع هذا العقوق بقي معطاء كريما , على مرّ العصور , .. ويحتاج هذا العطاء إلى من يجليه في صحف يقرؤها الناس.
ومن دواعي تصنيف هذا الكتاب , مع كثرة ما كتب في تأريخ المدينة النبوية: أنني نظرت فيما صنف من الكتب , قديمها , وحديثها _ فوجدت أكثرها يعتني بتحديد الآثار النبوية في المدينة.
ومع أهمية هذه الآثار , إلا أنها أصبحت معدومة العين والأثر , لأن المدينة النبوية لم تعد هي المدينة النبوية التي كانت يوم كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يكن المؤلفون قريبي عهد بالعصر النبوي فكانت أكثر تحديداتهم مبنية على الظن والوهم.
فأقدم كتاب وصلنا في تاريخ المدينة هو ((تاريخ المدينة)) لابن شبة , المتوفى في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري .. والمدينة النبوية التي كانت مبنية بيوتها من الطين , لن تبقى على صورتها بعد ثلاثة قرون , ثم كانت تغيرات عبر القرون أدت إلى أن يعيش الناس داخل سور .. ويكون ازدحام سكاني يعصف بما تبقى من الآثار .. وجاء المؤلفون بعد ابن شبة , فعمي الأمر عليهم , واعتمدوا على روايات منقطعة , أو ضعيفة , أو موضوعة , وذكروا مساجد , ومعالم وآثارا , لم يذكرها أهل الصدر الأول .. وجاء العصر الحديث ومعه العمران , والشوارع الواسعة , فمحا التليد والطارف من الآثار ولم يبق من الآثار النبوية إلا ما حمته الرعاية الإلهية , مما ذكرت بعضه أو جله تحت عنوان ((الآثار الباقية)).
وهناك قسم آخر من المؤلفات , حررها أصحابها في العصر الحديث منها…

الصفحة 8