كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

84…اضطهادهم على يد هذا الملك، فأمر بحفر اخدود طويل وتأجيج النيران فيه وإلقاء الذين يصرون على نصرانيتهم ولا يعتنقون اليهودية ... وقد أشارت إلى هذا الاضطهاد رسالة وجهها مار شمعون، أسقف بيت أرشام إلى رئيس دير جبلة، وأورد نصها يوحنا الأقسمي في تاريخه الكنسي حيث وصف ما سمعه من شهود عيان من أهل اليمن من تعذيب نصاى نجران سنة 524 م.
وقد جر هذا الاضطهاد على اليمن غزو الأحباش في الثلث الأول من القرن السادس، فتمكنوا من نسف الدولة الحميرية وبسط سلطانهم على بلادها نحو سبعين سنة، وخلال ذلك كان النصارى لليهود بكيلهم حتى أفنوهم أو كادوا)).
وكان يظن أن قصة أصحاب الأخدود الواردة في القرآن (سورة البروج) تشير إلى ما حصل في نجران أيام ذي نواس.
ولكن ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما من حديث صهيب، أن قصة أصحاب الأخدود الواردة في القرآن ليست هي التي حصلت أيام ذي نواس [انظر فتح الباري 698/ 8].
لأن قوله تعالى: (قتل أصحاب الأخدود) دعاء على من حفر الأخدود وعذب الناس فيه، ولو كان ذو نواس، وقومه من اليهود، من المؤمنين برسول الله كما قيل ـ إن تبعاً كان مؤمناً ـ ما فعل بالنصارى ما فعل، لأن الذين أخبر الله عنهم بأنهم حرقوا في الأخدود كانوا من المؤمنين .. ثم إن نصارى نجران يظهر أنهم لم يكونوا من المؤمنين بانجيل عيسى المنزل عليه من الله، وإنما كانوا من اتباع الانجيل المحرف المبدل، والدليل على ذلك أنهم كانوا من أتباع أبرهة الحبشي الذي جهز جيشاً لهدم الكعبة والمعروف أن الانجيل فيه تصريح باسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم .. ولو كان عندهم الانجيل الحقيقي ما تابعوا أبرهة عن ضلاله، وما بقي أحد منهم على نصرانيته بعد الإسلام .. والثابت أن نصارى نجران، أجلاهم عمر بن الخطاب، بناءً على وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن…

الصفحة 84