كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
89…فالآيات القرآنية التي خاطبت يهود الحجاز، نسبتهم إلى ((إسرائيل)) دون استثناء وربطت بينهم وبين بني إسرائيل الأولين من لدن موسى، بل من لدن يعقوب، الذي كان ((إسرائيل)) اسمه الثاني.
فقال تعالى: (يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) [البقرة: 40] الآية.
وقال تعالى: (سل بني إسرائيل كم آتيناهم) [البقرة: 211].
والنداء في الآية الأولى، ليس حكاية عن الماضي، وإنما هو نداء لليهود الموجودين .. وفي الآية الثانية الأمر ((سل)) إنما هو أمر للنبي صلى الله عليه وسلم، لكي يسأل اليهود في زمانه.
ثالثاً: إن اللغة العبرية كانت لغة كتبهم وطقوسهم ومدارسهم وتخاطبهم فيما بينهم، وقد جاء في الأحاديث ما يؤيد ذلك؛ لما روى ابن حجر في ((الإصابة)) عن البخاري والبغوي، وأبي يعلى .. عن زيد بن ثابت قال: ((أُتي بي النبي صلى الله عليه وسلم، مقدمه المدينة، فقيل: هذا من بني النجار، وقد قرأ سبع عشرة سورة، فقرأت عليه فأعجبه ذلك، فقال: تعلم كتاب اليهود، فإني ما آمنهم على كتابي، ففعلت فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له)) وفي رواية اخرى: ((قال لي النبي صلى الله عليه وسلم إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا عليَّ أو ينقصوا فتعلم السريانية (1) فتعلمتها في سبع عشر يوماً)) [الإصابة ـ ترجمة زيد بن ثابت].
وقريب من لفظ الحديث الأول عند الترمذي أيضاً. [التاج الجامع لأصول أحاديث الرسول 230/ 5].
__________
… (1) قوله: السريانية: ولم يقل ((العبرانية)) وفي روايات ((كتاب يهود)) يعني كتابتهم.
ولعله كانت بين اليهود لغتان: الأولى، للطقوس الدينية، وهي العبرية، والثانية، لغة التخاطب وهي ((السريانية)) ويؤيد هذا، أن اللغة السريانية، وهي لهجة من الآرامية، كانت سائدة في فلسطين وسورية، من نحو القرن الخامس قبل الميلاد، وعندما فتح المسلمون سورية كانت اللهجة السريانية هي اللغة المحكية. وقد قدم اليهود إلى الحجاز، في زمن كانت تسود فيه السريانية. ولعل زيداً تعلم السريانية أيضاً لقراءة الكتب التي تأتي إلى رسول الله من الشام والروم، ويكون زيد تعلم اللغتين: العبرية والسريانية.