كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

9…
ما أرخ للحياة الأدبية , وعرج بمناسبتها على الحياة الاجتماعية , ومنها ما عرّج على بعض الأحداث التاريخية, ومنها ما اختص بالسيرة النبوية (المغازي) دون أن يربطها بالمجتمع المدني.
وقد وقع جل ّ أصحاب هذه المؤلفات , في مستنقع الروايات الآسن.
منهم من فعل ذلك لجهله بقيمة الروايات التاريخية , فظن أن كل ما روي في كتب التاريخ يصلح للاحتجاج به , واستنباط الأحكام منه , وكان جل ّ الاعتماد على كتب المؤرخين التي تحشد في الموضوع الواحد كل ما روي , صحت الرواية , أو سقمت.
ولم يرجع المؤلفون إلى كتب الحديث , وإلى كتب رجال الحديث , لجهلهم بما تتضمنه من التاريخ.
ومن المؤلفين من حشد لكتابه ما حشد من الروايات , لأنه لا فرق بين تواريخ المدن الإسلامية , وجعل ما يقال في المدينة النبوية , بمنزلة ما يقال في تأريخ دمشق , وبغداد والقاهرة والرباط , وشتان بين تأريخ وتأريخ .. فالمدينة النبوية بنى تاريخها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وصحابته , وتابعوهم , أما المدن الأخرى فقد بنى تاريخها ناس من الناس.
أما نظرتي إلى تاريخ المدينة , ولا سيما تاريخ المدينة في القرن الأول , فتنطلق من كون تاريخ المدينة في هذه الحقبة , هو تاريخ ولادة الأمة الإسلامية القوية منهاجا وسلوكا , وأنه تاريخ الحضارة التي سادت وما بادت , ولن تبيد.
في المدينة قامت أول دولة إسلامية بناها وحي السماء وهو يتنزل منجما.
وفي المدينة نزلت آيات التشريع الذي لا تبلى جدته.
وفي المدينة عاش النبي صلى الله عليه وسلم , وعاش الصحابة , كما يعيش الناس , ولكنهم تفوقوا بسلوكهم السامي , ليعطوا دليلا على أن هذا التشريع الإلهي صالح للتطبيق على الأرض, وليثبت الصحابة أن وحي السماء لم ينته العمل به , وأنه باق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم , الموحى إليه.
تاريخ المدينة , هو تاريخ الحضارة الإسلامية في أنقى صورها وأسمى مراحلها.
وهو تاريخ القدوة الصالحة , حيث شهدت المدينة الزمن الذي كان التشريع يوجه الحياة: في الحرب , والسلم , والسياسة والاجتماع والاقتصاد…

الصفحة 9