كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)
91…الغابة تغلب لغتها وتنتشر، ولكننا وجدنا عند مقدم رسول الله إلى المدينة أنه لم يجد من يعرف لسان يهود من الأوس والخزرج، فطلب من زيد بن ثابت أن يتعلمه، وعرفنا ممن يعرف لغة يهود، عبد الله بن عتيك الذي أرسله رسول الله في سرية إلى خيبر، ومع ذلك وجد من اليهود من يجيد نظم الشعر العربي، ولعل بعضهم فعل ذلك، لفرط تأثره بلغة العرب، ولكثرة اختلاطه بالمجتمع اليثربي، وربما فعلوا ذلك، لاتخاذه سلاحاً، حيث كان الشعر سلاح الإعلام والهجاء في العصر الجاهلي.
وبذلك يسقط القول، أو الشك في عروبة أو تهود، أو اسرائيلية القبائل الثلاث: ((النضير، وقريظة، وقينقاع، بل لا يصح القول بوجود جماعات متهودة من القبائل العربية في المدينة، كما فهم ذلك من فهمه من إضافة ((يهود)) إلى القبائل العربية في المدينة.
والحقيقة أنها إضافة حلف، لا إضافة ((دين)) وأما في بقية الجزيرة العربية، ولا سيما في اليمن، فلم يكن في العهد النبوي كتل يهودية لأن كتب السيرة لم تتضمن أية اشارة إلى وجود يهود في اليمن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنها لم تذكر أن عمر بن الخطاب أجلى يهوداً من اليمن حينما أجلى النصارى عن نجران، واليهود عن خيبر، تنفيذاً لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يبقى في جزيرة العرب دينان، بل إن هناك حديثاً مروياً عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب)) [مجمع الزوائد 325/ 5].
وقد نقل الإمام مالك قال: وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفدك وخيبر ... وذكر الصفة التي أجلي عليها يهود خيبر وفدك، وسكت عن يهود نجران [الموطأ 204].
أما عن انتشار اليهودية في اليمن في عهد أحد ملوك حمير، كما تذكر الأخبار فالذي يظهر أن أنصارها قد رجعوا عن يهوديتهم بمجيء الأحباش إلى اليمن ولم يبق منهم أحد وقت البعثة، وهذا يفسر الأخبار التي وردت بإجلاء نصارى نجران، ولم تذكر شيئاً عن إجلاء اليهود.
…