كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

96…هجرة وعاصمة دراسة جغرافية وتاريخية موزونة بموازين النظر الإنساني الكليل، وضربوا أمثلة من مراحل تاريخها، تدل على قصور في فهم أحداث التاريخ، ومن هؤلاء الدكتور عمر الفاروق السيد رجب، في كتابه ((المدينة المنورة ـ اقتصاديات المكان، والسكان المورفولوجية)) حيث يقول ((ص 36 ـ 37)): فبعد أقل من ثلاثين عاماً فقدت المدينة وظيفتها السياسية الطارئة .. فقد انتقلت العاصمة إلى الكوفة ـ في عهد الإمام علي ـ ثم إلى دمشق .. ويقول: ويدل ذلك على أن اختيار المدينة ـ كعاصمة منذ البداية ـ وإن كان موفقاً ـ إلى أنه كان بطبيعته مؤقتاً، أو كان بحكم الضرورة .. ويقول: فإن امكانياتها كمدينة لم تكن كافية لكي تستمر عاصمة للدولة التي أخذت أطرافها تترامى .. ويقول: غير أن النجاح الذي صاحب قيام المدينة بدورها كمركز لنشر الدعوة ـ كان نجاحاً مؤقتاً أو هو نجاح مرتبط (بفترة) مدة معينة .. ثم ظهرت الحاجة الموضوعية لمواقع أكثر تقدماً وتوسطاً .. ((ص 38)).
وهذه أحكام خاطئة من نواح:
أولاً: إن انتقال الخلافة من المدينة في عهد الإمام علي، وفي عهد معاوية، ليس له علاقة بمركز المدينة السياسي والعسكري من حيث الأهداف العامة للأمة الإسلامية: فقد ذهب الإمام علي إلى الكوفة، وليس هدفه اتخاذها عاصمة مفضلة على المدينة، وإنما ذهب إلى الكوفة لمحاورة الصحابة الذين قادتهم السيدة عائشة، بهدف ملاحقة قتلة عثمان بن عفان، ثم كانت معركة الجمل، واضطر الإمام علي إلى البقاء في العراق ليكون قريباً من حدود بلاد الشام التي يتولى أمرها معاوية بن أبي سفيان .. ثم كانت معركة صفين، وتبعها ظهور حركة الخوارج التي شغلت الإمام علي السنوات التالية.
وأما معاوية بن أبي سفيان، فقد اختار دمشق عاصمة، لأنه كان أمير الشام وكانت دمشق عاصمته ومركزه، وفي الشام رجال معاوية واتباع بني أمية، أما الحجاز، ففيه خصوم معاوية ومنافسوه على الخلافة، فاختار دمشق عاصمة…

الصفحة 96