كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 1)

98…خامساً: إن الدول الإسلامية لم تكن أكثر قوة، عندما انتقلت عاصمتها إلى الكوفة أو دمشق، أو بغداد، أو القاهرة.
والمشاهد في التاريخ أن عظمة الدولة الإسلامية وقوتها، وهيبتها أخذت في التناقص، بعد أن ترك الخلفاء العاصمة النبوية، ولعل من أسباب هذا الضعف التحول من مكان باركه الله روسوله، إلى مكان ظن فيه الخير والمال، والحق أن المال والخير، ينموان بالبركة .. والمدينة النبوية، دعى لها الرسول الأمين أن يبارك الله في صاعها ومدها ويشمل ذلك كل عدة دنيوية.
سادساً: ومن خصائص المدينة النبوية، باعتبارها عاصمة للدولة، أن الخليفة يتهيأ له التقاء وفود المسلمين من كل بقاع الدولة، فيتعرف على أحوالهم، ويعرف منهم أخبار الدولة، وذلك في موسم الحج السنوي، لما جرت عليه العادة أو السنة، أن يزور الحجاج المسجد النبوي، للصلاة فيه، والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .... والخلاصة: أن اختيار المدينة دار هجرة، كان من الله تعالى، لم يعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس شورى، ولم يشاور أحداً من أصحابه في اختياره، وكذلك كان يوم الهجرة، حيث جاء الإذن من الله إلى رسوله بتحديد اليوم والساعة التي يتوجه فيها إلى المدينة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة ((فإني قد اذن لي في الخروج)) [البخاري ك 63، باب 45] .... وكان الانتظار منذ البعثة حتى الهجرة، ثلاث عشرة سنة، ليهييء الله الأسباب لذلك.
(ب) تهيئة الأسباب، في دار الهجرة، ليوم الهجرة:
أقام الأوس والخزرج ـ ما شاء الله أن يقيموا ـ على الوداد والحب والتعاون تجمعهم وتدفعهم أرحام قريبة، ووشائج لصيقة .. ثم قامت بينهم منازعات أدت إلى حروب، كما يقوم بين قومين متجاورين بل كما يحصل بين أبناء القبيلة الواحدة، كلما تباعد الزمن بين الأصل والفرع.

الصفحة 98